وإن كان تعدّيه بحرف الجر قليلا ، فهو متعد ، والحرف زائد ، كما في : يقرآن بالسّور (١) ، و : (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ)(٢) ، و : «رَدِفَ لَكُمْ» ؛
وإذا تعدى بحرف الجر ، فالجار والمجرور في محل النصب على المفعول به ، ولهذا قد يعطف على الموضع بالنصب ، قال تعالى : (وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ)(٣) بالنصب ، وقال لبيد :
فإن لم تجد من دون عدنان والدا |
|
ودون معدّ فلتزعك العواذل (٤) ـ ١١٩ |
والتحقيق أن المجرور وحده منصوب المحل ، لامع الجار ، لأن الجارّ هو الموصّل للفعل إليه ، كالهمزة والتضعيف في : أذهبت زيدا ، وكرّمت عمرا ، لكن لما كان الهمزة والتضعيف من تمام صيغة الفعل ، والجارّ منفصلا عنه ، وكالجزء من المفعول ، توسّعوا في اللفظ ، وقالوا : هما في محل النصب ؛
ولا يجوز حذف الجارّ في اختيار الكلام إلّا مع «أنّ» و «أن» وذلك فيهما ، أيضا ، بشرط تعيّن الجارّ ، فيحكم على موضعهما بالنصب عند سيبويه ، وبالجر عند الخليل والكسائي ، والأول أولى ، لضعف حرف الجر عن أن يعمل مضمرا ، ولهذا حكم بشذوذ :
ألله لأفعلنّ ، ونحو قول رؤبة : خير ، لمن قال له كيف أصبحت (٥) ، وقوله :
٦٩١ ـ إذا قيل أي الناس شر قبيلة |
|
أشارت كليب بالأكفّ الأصابع (٦) |
وإنما جاز حذف الجارّ مع أنّ وأن ، كثيرا قياسا ، لاستطالتهما بصلتهما ،
__________________
(١) إشارة إلى قول الشاعر : لا يقرأن بالسور في الشاهد الذي تكرر ذكره فيما تقدم ؛
(٢) من الآية ١٩٥ سورة البقرة ؛
(٣) من الآية ٦ سورة المائدة ؛
(٤) تقدم ذكره في الجزء الأول وهو من قصيدة لبيد بن ربيعة التي تكرر منها عدد من الشواهد في هذا الشرح ؛
(٥) تقديره : أصبحت على خير ، وقد روى في الردّ أنه قال : كخير ، بالكاف ؛
(٦) البيت من قصيدة للفرزدق في هجاء جرير وقومه ، ومطلعها الشاهد الآتي بعد قليل ؛ وهو قوله : منا الذي اختير الرجال سماحة.