وإنما أفاد دخول النفي على النفي (١) دوام الثبوت ، لأن نفي النفي إثبات ، وإذا قيّدت نفي الشيء بزمان ، وجب أن يعمّ ذلك النفي جميع ذلك الزمان ، بخلاف الإثبات ، فإنك إذا قيّدت إثبات الشيء بزمان ، لم يلزم استغراق الإثبات لذلك الزمان ؛ إذا قلت ، مثلا ، ضرب زيد ، كفى في صدق هذا القول : وقوع الضرب في جزء من أجزاء الزمن الماضي ؛
وأمّا قولك : ما ضرب ، فإنه يفيد استغراق نفي الضرب لجميع أجزاء الزمن الماضي ،
وذلك لأنهم أرادوا أن يكون النفي والإثبات المقيّدان بزمن واحد في طرفي نقيض ، فلو جعل النفي كالإثبات مقيّدا بوقوعه ، أي وقوع النفي في جزء غير معيّن من أجزاء الزمان المخصوص ، لم يكن يناقض ذلك الإثبات ، إذ يمكن كون الجزء الذي يقيّد الإثبات به غير الجزء الذي يقيّد النفي به ، فلا يتناقضان ، فاكتفي في الإثبات بوقوعه مطلقا ، ولو مرة ، وقصدوا في النفي الاستغراق ، إذ استمرار الفعل ، أصعب وأقلّ من استمرار الترك ، فصار نحو : ضرب ، وما ضرب ، كالموجبة الجزئية والسالبة الكلّية ، اللتين تناقض إحداهما الأخرى ؛
فتبيّن بهذا ، أن النهي يفيد التكرار ، على ما ذهب إليه أكثر الأصوليين ، فحصل من هذا كله ، أن نفي النفي يكون ، أيضا ، دائما ، ونفي النفي يلزم منه الإثبات ، فيلزم من نفي النفي إثبات دائم ، وهو المقصود ؛
ولا يجعل كلّ فعل مفيد للنفي ، داخل عليه النفي ، بمعنى : كان دائما ، بل ذلك موقوف على السماع ، فلا يقال : ما انفصل أو ما فارق ضاربا ، ولا يقال : ما زلت أميرا ، بضم الزاي ، ولا : ما أزول أميرا (٢) ؛
وما زال ، الناقص : واويّ ، مضارعه : ما يزال ، كخاف يخاف ، فأما زال ، يزول ، وقولك : زاله يزيله أي فرقه ، من الياء (٣) ، فتامّان ؛
__________________
(١) أي على النفي المستفاد من معاني هذه الأفعال ؛
(٢) مع أن في الفعل معنى النفي ؛
(٣) من الياء راجع إلى : راله يزيله ؛