قالوا : أصل معنى : عسى أن يخرج زيد ، قرب أن يخرج زيد ، أي خروج زيد ، فهو في الاستعمال الأول كالفعل المتعدّي ، وفي الثاني كاللازم ؛
وفيه ، أيضا ، نظر ؛ إذ لم يثبت في عسى ، معنى المقاربة ، وضعا ، ولا استعمالا ، كما مرّ قبل ؛
وقال الكوفيون : إن «أن يفعل» في محل الرفع ، بدلا مما قبله ، بدل الاشتمال ، كقوله تعالى : (لا يَنْهاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ ..)(١) ، إلى قوله : (أَنْ تَبَرُّوهُمْ) ، أي لا ينهاكم عن أن تبروهم ؛
والذي أرى ، أنّ هذا وجه قريب ، فيكون في نحو : يا زيدون عسى أن تقوموا ، قد جاء بما كان بدلا من الفاعل مكان الفاعل ، والمعنى ، أيضا ، يساعد ما ذهبوا إليه ، لأن «عسى» بمعنى : يتوقّع ، فمعنى عسى زيد أن يقوم : أي يتوقع ويرجى قيامه ، وإنما غلب فيه بدل الاشتمال لأن فيه إجمالا ثم تفصيلا ، كما مرّ في باب البدل (٢) ، وفي إبهام الشيء ثم تفسيره وقع عظيم لذلك الشيء في النفس ، كما مرّ في ضمير الشأن (٣) ؛
وأما : عسيت صائما ، وعسى الغوير أبؤسا فشاذان ؛ وقال بعضهم التقدير ، عسى الغوير أن يكون أبؤسا ، وعسيت أن أكون صائما ، وجاز حذف «أن» مع الفعل مع كونها حرفا مصدريا ، لقوة الدلالة ، وذلك لكثرة وقوع «أن» بعد مرفوع «عسى» ، فهو كحذف المصدر وإبقاء معموله ، كما ذكرنا من مذهب سيبويه في المفعول معه ؛ ومثله ما قدّر الكسائي في البيت : إلّا أن يكون الفرقدان (٤) ؛ الّا أن القرينة ههنا أدلّ كما ذكرنا ؛
__________________
(١) الآية ٨ سورة الممتحنة ؛
(٢) في الجزء الثاني ؛
(٣) آخر الجزء الثاني ؛
(٤) إشارة إلى قول الشاعر :
وكل أخ مفارقه أخوه |
|
لعمر أبيك إلا الفرقدان |
وقد تقدم الاستشهاد به في باب الاستثناء في الجزء الثاني من هذا الشرح ؛