ويمكن أن يقال : إنما جاز أن يكفّ نعم وبئس عن فعليتهما ، لعدم تصرفهما ، ومشابهتهما للحرف ، إلّا أنه يحتاج إلى تكلف في إضمار المبتدأ في نحو : (فَنِعِمَّا هِيَ)(١) ،
وقال الفراء ، وأبو علي : هي موصولة بمعنى الذي ، فاعل نعم وبئس ، والجملة بعدها صلتها ، ففي قوله تعالى : (بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا)(٢) : ما ، فاعل وأن يكفروا ، مخصوص ؛ وفي قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ)(٣) ، المخصوص محذوف ؛
ويضعفه : قلة وقوع «الذي» مصرّحا به ، فاعلا لنعم وبئس ولزوم حذف الصلة بأجمعها في : (فَنِعِمَّا هِيَ) ، لأن «هي» مخصوص ، أي نعم الذي فعله : الصدقات ، وكذلك قولهم : دققته دقّا نعمّا ؛
وقال سيبويه (٤) ، والكسائي : ما ، معرفة تامة ، بمعنى «الشيء» فمعنى : فنعما هي : نعم الشيء هي ، فما ، هو الفاعل ، لكونه بمعنى ذي اللام ، و «هي» مخصوص ؛ ويضعفه : عدم مجيء «ما» بمعنى المعرفة التامة ، أي : بمعنى «الشيء» في غير هذا الموضع ، إلّا ما حكى سيبويه أنه يقال : إني ممّا أفعل ذلك (٥) ، أي : من الأمر والشأن أن أفعل ذلك ، قال : وإن شئت قلت : إني مما أفعل ، بمعنى : ربّما أفعل ، كما يجيء في الحروف ؛
بل ، يجيء «ما» بمعنى «شيء» ، إمّا موصوفة نحو : (هذا ما لَدَيَّ عَتِيدٌ)(٦) ، أو غير موصوفة كما مرّ في الموصولات (٧) ؛ وأيضا ، يلزم حذف الموصوف ، أي المخصوص ، وإقامة جملة مقامه ، في نحو نعمّا يعظكم به ، و : (وَلَبِئْسَ ما شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ)(٨) ،
__________________
(١) من الآية ٢٧١ في سورة البقرة ؛
(٢) الآية ٩٠ في سورة البقرة ؛
(٣) من الآية ٥٨ في سورة النساء ؛
(٤) في سيبويه ج ١ ص ٤٧٦ : في تفسير بئسما اشتروا ... كأنه قيل له ما هو ، فقال أن يكفروا ؛
(٥) قال سيبويه في الكتاب ج ١ ص ٤٧٦ : وتقول اني مما أفعل ذلك الخ عبارة الشارح ؛
(٦) الآية ٢٣ سورة ق ؛
(٧) أول الجزء الثالث من هذا الشرح ؛
(٨) الآية ١٠٢ سورة البقرة ؛