القسم فنحو : زيد والله قائم ، وزيد قائم والله ، فيضعف أمرهما ، فلا يكون لهما جواب لفظا ؛ وأمّا من حيث المعنى ، فالذي يتقدم على الشرط جوابه ، وكذا ما يتقدم على القسم أو يتخلّله القسم ، لكن القسم أكثر إلغاء من الشرط ، لأنه أكثر دورانا في الكلام ، حتى رفع الله المؤاخذة به بلا نيّة ، لتمرّن ألسنتهم عليه ، وسماه لغوا فقال تعالى : (لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ)(١) ؛
وأيضا ، تأثيره في الأصل ، في معنى الجواب : أقل من تأثير الشرط في جوابه ، لأن القسم مؤكد للمعنى الثابت فيه ، فهو كالزائد الذي يتم معنى الكلام بدونه ، والشرط مورد في جوابه معنى لم يكن فيه ، وهو التوقيف (٢) ، فكانت أداة القسم أليق بالإلغاء عن جوابه ، من أداة الشرط ، فلهذا قد يلغى القسم عن الجواب مع إمكان أن لا يلغى ، بخلاف الشرط ؛ تقول : أنا والله أكرمك ، بالإلغاء ، وقد أمكنك أن تعتبره فتقول : لأكرمنك ، ولا تقول : أنا إن لقيني أكرمك بالرفع على أن «اكرمك» خبر المبتدأ وأداة الشرط ملغاة ، بل تقول : أكرمك باعتبار الشرط ، والجملة الشرطية خبر المبتدأ ، ولهذا حمل قوله :
إنك إن يصرع أخوك تصرع (٣) ٥٦٦
على التقديم والتأخير ، لضرورة الشعر ؛
فإذا تقرّرت هذه المقدمة ، قلنا : إذا تقدم القسم على كلمات الشرط ، فاعتبار القسم أولى ، لتقوّي القسم بالتصدّر الذي هو أصله ، وضعف الشرط بالتوسط ؛
ولا استدلال فيه للكوفيين على أن إعمال الأول في باب التنازع أولى ، لأن الأوّل ، وإن كان بعد من الثاني ، إلّا أن هذا البعيد تقوّى بالتصدر الذي هو حقه وأصله ، والقريب ضعيف بالتوسط الذي هو خلاف وضعه وأصله ؛
__________________
(١) الآية ٨٩ سورة المائدة ؛
(٢) يقصد أن حصول الجواب متوقف على حصول الشرط ؛
(٣) تقدم في أكثر من موضع ، وانظر فهرس الشواهد ؛