فى الأصل عمل إنّ ثم ألغيت لتكرارها ، فيكون ما بعدها مرفوعا بالابتداء ، وأن تكون عاملة عمل ليس ، فيكون ما بعدها مرفوعا بها ، وعلى الوجهين فالظرف خبر عن الاسمين إن قدرت لا الثانية تكرارا للأولى وما بعدها معطوفا ، فإن قدرت الأولى مهملة والثانية عاملة عمل ليس أو بالعكس فالظرف خبر عن أحدهما ، وخبر الآخر محذوف كما فى قولك «زيد وعمرو قائم» ولا يكون خبرا عنهما ، لئلا يلزم محذوران : كون الخبر الواحد مرفوعا ومنصوبا ، وتوارد عاملين على معمول واحد.
وإذا قيل «ما فيها من زيت ولا مصابيح» بالفتح ـ احتمل كون الفتحة بناء مثلها فى «لا رجال» وكونها علامة لتخفض بالعطف ولا مهملة ، فإن قلته بالرفع احتمل كون لا عاملة عمل ليس ، وكونها مهملة والرفع بالعطف على المحل.
فأما قوله تعالى (وَما يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرَ) فظاهر الأمر جواز كون أصغر وأكبر معطوفين على لفظ مثقال أو على محله ، وجواز كون لامع الفتح تبرئة ، ومع الرفع مهملة أو عاملة عمل ليس ، ويقوّى العطف أنه لم يقرأ فى سورة سبأ فى قوله سبحانه وتعالى (عالِمِ الْغَيْبِ لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقالُ ذَرَّةٍ) الآية إلا بالرفع لما لم يوحد الخفض فى لفظ مثقال ، ولكن يشكل عليه أنه يفيد ثبوت العزوب عند ثبوت الكتاب ، كما أنك إذا قلت «ما مررت برجل إلا فى الدّار» كان إخبارا بثبوت مرورك برجل فى الدار ، وإذا امتنع هذا تعيّن [أن] الوقف على (فِي السَّماءِ) وأن ما بعدها مستأنف ، وإذا ثبت ذلك فى سورة يونس قلنا به فى سورة سبأ وأن الوقف على (الْأَرْضِ) وأنه إنما لم يجىء فيه الفتح اتباعا للنقل ، وجوز بعضهم العطف فيهما على أن لا يكون معنى يعزب يخفى ، بل يخرج إلى الوجود.
الوجه الثالث : أن تكون عاطفة ، ولها ثلاثة شروط ، أحدها : أن يتقدمها إثبات كجاء زيد لا عمرو ، أو أمر كاضرب زيدا لا عمرا ، قال سيبويه : أو نداء نحو