فصل
قد تخرج الهمزة عن الاستفهام الحقيقى ، فترد لثمانية معان :
أحدها : التّسوية ، وربما توهم أن المراد بها الهمزة الواقعة بعد كلمة «سواء» بخصوصها ، وليس كذلك ، بل كما تقع بعدها تقع بعد «ما أبالى» و «ما أدرى» و «ليت شعرى» ونحوهن ، والضابط : أنّها الهمزة الداخلة على جملة يصحّ حلول المصدر محلها ، نحو (سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ) ونحو «ما أبالى أقمت أم قعدت» ألا ترى أنه يصح سواء عليهم الاستغفار وعدمه وما أبالى بقيامك وعدمه.
والثانى : الإنكار الإبطالى ، وهذه تقتضى أن ما بعدها غير واقع ، وأن مدّعيه كاذب ، نحو (أَفَأَصْفاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلائِكَةِ إِناثاً) (فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَناتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ) (أَفَسِحْرٌ هذا) (أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ) (أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً) (أَفَعَيِينا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ) ومن جهة إفادة هذه الهمزة نفى ما بعدها لزم ثبوته إن كان منفيا ؛ لأن نفى النفى إثبات ، ومنه (أَلَيْسَ اللهُ بِكافٍ عَبْدَهُ) أى الله كاف عبده ، ولهذا عطف (وَضَعْنا) على (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ) لما كان معناه شرحنا ، ومثله (أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى ، وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى) (أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ ، وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبابِيلَ) ولهذا أيضا كان قول جرير فى عبد الملك :
١١ ـ ألستم خير من ركب المطايا |
|
وأندى العالمين بطون راح |
مدحا ، بل قيل : إنه أمدح بيت قالت العرب ، ولو كان على الاستفهام الحقيقى لم يكن مدحا ألبتة.
والثالث : الإنكار التوبيخى ؛ فيقتضى أن ما بعدها واقع ، وأن فاعله ملوم ،