وهذا البيت ينشد لمن يعد بالجميل ولا يفعله ؛ لانطواء قلبه على ضده ، وقد أنشد الكسائىّ فى مجلس الرشيد بحضرة الأصمعى ؛ فرفع «رئمان» فردّه عليه الأصمعى ، وقال : إنه بالنصب ، فقال له الكسائى : اسكت ، ما أنت وهذا؟ يجوز الرفع والنصب والجر ، فسكت. ووجهه أن الرفع على الإبدال من «ما» والنصب بنعطى ، والخفض بدل من الهاء ، وصوّب ابن الشّجرى إنكار الأصمعى ، فقال : لأن رئمانها للبوّ بأنفها هو عطيتها إياه لا عطيّة لها غيره ؛ فإذا رفع لم يبق لها عطية فى البيت ؛ لأن فى رفعه إخلاء تعطى من مفعوله لفظا وتقديرا ، والجر أقرب إلى الصواب قليلا ، وإنما حقّ الإعراب والمعنى النصب ، وعلى الرفع فيحتاج إلى تقدير ضمير راجع إلى المبدل منه ، أى رئمان أنف له.
والضمير فى «بفعلهم» لعامر ؛ لأن المراد به القبيلة ، ومن بمعنى البدل مثلها فى (أَرَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا مِنَ الْآخِرَةِ) وأنكر ذلك بعضهم ، وزعم أن من متعلقة بكلمة البدل محذوفة.
ونظير هذه الحكاية أن ثعلبا كان يأتى الرّياشىّ ليسمع منه الشعر ، فقال له الرياشى يوما : كيف تروى «بازل» من قوله :
٥٨ ـ ما تنقم الحرب العوان منّى |
|
بازل عامين حديث سنّى |
*لمثل هذا ولدتنى أمّى* [ص ٦٨٢] |
فقال ثعلب : ألمثلى تقول هذا؟ إنما أسير (١) إليك لهذه المقطّعات والخرافات يروى البيت بالرفع على الاستئناف ، وبالخفض على الإتباع ، وبالنصب على الحال.
ولا تدخل «أم» المنقطعة على مفرد ، ولهذا قدروا المبتدأ فى «إنها لإبل أم شاء» وخرق ابن مالك فى بعض كتبه إجماع النحويين ؛ فقال : لا حاجة إلى تقدير مبتدأ ، وزعم أنها تعطف المفردات كبل ، وقدرها [ها] هنا ببل دون الهمزة ،
__________________
(١) فى نسخة «أصير إليك» بالصاد بدل السين ، ولا بأس بها.