(إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً) وفى الآية حذف مضاف ، وإضمار لما دلّ عليه المعنى لا اللفظ ، أى أن كل أفعال هذه الجوارح كان المكلف مسؤلا عنه ، وإنما قدّرنا المضاف لأن السؤال عن أفعال الحواس ، لا عن أنفسها ، وإنما لم يقدر ضمير (كانَ) راجعا لكل لئلا يخلو (مَسْؤُلاً) عن ضمير فيكون حينئذ مسندا إلى (عَنْهُ) كما توهّم بعضهم ، ويردّه أن الفاعل ونائبه لا يتقدمان على عاملهما ، وأما (لَقَدْ أَحْصاهُمْ) فجملة أجيب بها القسم ، وليست خبرا عن كل ، وضميرها راجع لمن ، لا لكل ، ومن معناها الجمع.
فإن قطعت عن الإضافة لفظا ؛ فقال أبو حيان : يجوز مراعاة اللفظ نحو (كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ) (فَكُلًّا أَخَذْنا بِذَنْبِهِ) ومراعاة المعنى نحو (وَكُلٌّ كانُوا ظالِمِينَ) والصواب أن المقدر يكون مفردا نكرة ؛ فيجب الإفراد كما لو صرح بالمفرد ، ويكون جمعا معرفا فيجب الجمع ، وإن كانت المعرفة لو ذكرت لوجب الإفراد ، ولكن فعل ذلك تنبيها على حال المحذوف فيهما ؛ فالأول نحو (كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ) (كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ) (كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ) إذ التقدير كل أحد ، والثانى نحو (كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ) (كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) (وَكُلٌّ أَتَوْهُ داخِرِينَ) (وَكُلٌّ كانُوا ظالِمِينَ) أى كلهم.
مسألتان ـ الأولى ، قال البيانيون : إذا وقعت «كل» فى حيّز النفى كان النفى موجها إلى الشمول خاصة ، وأفاد بمفهومه ثبوت الفعل لبعض الأفراد ، كقولك «ما جاء كلّ القوم ، ولم آخذ كلّ لدراهم ، وكل الدراهم لم آخذ» وقوله :
٣٣٠ ـ *ما كلّ رأى الفتى يدعو إلى رشد*
وقوله :
٣٣١ ـ ما كلّ ما يتمنّى المرء يدركه |
|
[تأتى الرّياح بما لا تشتهى السّفن] |