ويشكل عليهم أن بلى لا يجاب بها [عن] الإيجاب ، وذلك متفق عليه ، ولكن وقع فى كتب الحديث ما يقتضى أنها يجاب بها الاستفهام [المجرّد] ؛ ففى صحيح البخارى فى كتاب الإيمان أنه عليه الصلاة والسّلام قال لأصحابه «أترضون أن تكونوا ربع أهل الجنة؟» قالوا : بلى ، وفى صحيح مسلم فى كتاب الهبة «أيسرك أن يكونوا لك فى البر سواء؟» قال : بلى ، قال «فلا إذن» وفيه أيضا أنه قال «أنت الذى لقيتنى بمكة؟» فقال له المجيب : بلى ، وليس لهؤلاء أن يحتجوا بذلك ؛ لأنه قليل فلا يتخرج عليه التنزيل.
واعلم أن تسمية الاستفهام فى الآية تقريرا عبارة جماعة ، ومرادهم أنه تقرير بما بعد النفى كما مرّ فى صدر الكتاب ، وفى الموضع بحث أوسع من هذا فى باب النون.
(بيد) ويقال : ميد ، بالميم ، وهو اسم ملازم للإضافة إلى أنّ وصلتها ، وله معنيان :
أحدهما : غير ، إلا أنه لا يقع مرفوعا ولا مجرورا ، بل منصوبا ، ولا يقع صفة ولا استثناء متصلا ، وإنما يستثنى به فى الانقطاع خاصة ، ومنه الحديث «نحن الآخرون السابقون ، بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا» وفى مسند الشافعى رضى الله عنهم «بائد أنهم» وفى الصحاح «بيد بمعنى غير ، يقال : إنه كثير المال بيد أنه بخيل» اه ، وفى المحكم أن هذا المثال حكاه ابن السكيت ، وأن بعضهم فسّرها فيه بمعنى على ، وأن تفسيرها بغير أعلى.
والثانى : أن تكون بمعنى من أجل ، ومنه الحديث «أنا أفصح من نطق بالضّاد بيد أنّى من قريش واسترضعت فى بنى سعد بن بكر» وقال ابن مالك وغيره : إنها هنا بمعنى غير ، على حد قوله :
١٦٩ ـ ولا عيب فيهم غير أنّ سيوفهم |
|
بهنّ فلول من قراع الكتائب |