الثانى من أوجه «لا» أن تكون موضوعة لطلب التّرك ، وتختص بالدخول على المضارع ، وتقتضى جزمه واستقباله ، سواء كان المطلوب منه مخاطبا نحو (لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ) أو غائبا نحو (لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ) أو متكلما نحو «لا أرينّك ههنا» وقوله :
٤٠٤ ـ لا أعرفن ربربا حورا مدامعها |
|
[مردّفات على أعجاز أكوار] |
وهذا النوع مما أقيم فيه المسبب مقام السبب ، والأصل لا تكن ههنا فأراك ، ومثله فى الأمر (وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً) أى وأغلظوا عليهم ليجدوا ذلك ، وإنما عدل إلى الأمر بالوجدان تنبيها على أنه المقصود بالذات (١) ، وأما الإغلاظ فلم يقصد لذاته ، بل ليجدوه ، وعكسه (لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ) أى لا تفتتنوا بفتنة الشيطان.
واختلف فى لا من قوله تعالى (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً) على قولين ؛ أحدهما : أنها ناهية ، فتكون من هذا ، والأصل لا تتعرضوا للفتنة فتصيبكم ، ثم عدل عن النهى عن التعرض إلى النهى عن الإصابة لأن الإصابة مسببة عن التعرض ، وأسند هذا المسبب إلى فاعله ، وعلى هذا فالإصابة خاصة بالمتعرضين وتوكيد الفعل بالنون واضح لاقترانه بحرف الطلب مثل (وَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ غافِلاً) ولكن وقوع الطلب صفة للنكرة ممتنع ؛ فوجب إضمار القول ، أى واتقوا فتنة مقولا فيها ذلك ، كما قيل فى قوله :
٤٠٥ ـ حتّى إذا جنّ الظّلام واختلط |
|
[جاؤا بمذق هل رأيت الذّئب قط] |
[ص ٥٨٥]
الثانى : أنها نافية ، واختلف القائلون بذلك على قولين ؛ أحدهما : أن الجملة صفة لفتنة ، ولا حاجة إلى إضمار قول ؛ لأن الجملة خبرية ، وعلى هذا فيكون دخول النون شاذا ، مثله فى قوله :
__________________
(١) فى نسخة «المقصود لذاته».