مثله فى (كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) وليس من ذلك (وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ) لأن القرآن لا يخرّج على الشاذ ، وإنما الجمع باعتبار معنى الأمة ، ونظيره الجمع فى قوله تعالى (أُمَّةٌ قائِمَةٌ يَتْلُونَ) ومثل ذلك فى قوله تعالى (وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ يَأْتِينَ) فليس الضامر مفردا فى المعنى لأنه قسيم الجمع وهو (فَرِجالاً) بل هو اسم جمع كالجامل والباقر ، أو صفة لجمع محذوف أى كل نوع ضامر ونظيره (وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ) فإن (كافِرٍ) نعت لمحذوف مفرد لفظا مجموع معنى أى أول فريق كافر ، ولو لا ذلك لم بقل (كافِرٍ) بالإفراد.
وأشكل من الآيتين قوله تعالى (وَحِفْظاً مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ مارِدٍ لا يَسَّمَّعُونَ) ولو ظفر بها أبو حيان لم يعدل إلى الاعتراض ببيت عنترة.
والجواب عنها أن جملة (لا يَسَّمَّعُونَ) مستأنفة أخبربها عن حال المسترقين ، لا صفة لكل شيطان ، ولا حال منه ؛ إذ لا معنى للحفظ من شيطان لا يسمع ، وحينئذ فلا يلزم عود الضمير إلى كل ، ولا إلى ما أضيفت إليه ، وإنما هو عائد إلى الجمع المستفاد من الكلام.
وإن كانت «كل» مضافة إلى معرفة فقالوا : يجوز مراعاة لفظها ومراعاة معناها ، نحو «كلهم قائم ، أو قائمون» وقد اجتمعتا فى قوله تعالى (إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً ، لَقَدْ أَحْصاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا ، وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَرْداً) والصواب أن الضمير لا يعود إليها من خبرها إلا مفردا مذكرا على لفظها نحو (وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ) الآية ، وقوله تعالى فيما يحكيه عنه نبيه عليه الصلاة والسّلام «يا عبادى كلّكم جائع إلّا من أطعمته» الحديث وقوله عليه الصلاة والسّلام «كلّ النّاس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها» و «كلّكم راع ، وكلّكم مسئول عن رعيّته» «وكلّنا لك عبد» ومن ذلك