والثانى : أنها إذا كانت فى جملة معطوفة بالواو أو بالفاء أو بثم قدّمت على العاطف تنبيها على أصالتها فى التصدير ، نحو (أَوَلَمْ يَنْظُرُوا) (أَفَلَمْ يَسِيرُوا) (أَثُمَّ إِذا ما وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ) وأخواتها تتأخر عن حروف العطف كما هو قياس جميع أجزاء الجملة المعطوفة ، نحو (وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلى عَلَيْكُمْ؟) (فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ) (فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ) (فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفاسِقُونَ) (فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ) (فَما لَكُمْ فِي الْمُنافِقِينَ فِئَتَيْنِ) هذا مذهب سيبويه والجمهور ، وخالفهم جماعة أوّلهم الزمخشرى ، فزعموا أن الهمزة فى تلك المواضع فى محلها الأصلى ، وأن العطف على جملة مقدّرة بينها وبين العاطف ، فيقولون : التقدير فى (أَفَلَمْ يَسِيرُوا) (أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحاً) (أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ) (أَفَما نَحْنُ بِمَيِّتِينَ) : أمكثوا فلم يسيروا فى الأرض ، أنهملكم فنضرب عنكم الذكر صفحا ، أتؤمنون به فى حياته فإن مات أو قتل انقلبتم ، أنحن مخلّدون فما نحن بميتين ، ويضعف قولهم ما فيه من التكلف ، وأنه غير مطرد [فى جميع المواضع] أما الأول فلدعوى حذف الجملة ، فإن قوبل بتقديم بعض المعطوف فقد يقال : إنه أسهل منه ؛ لأن المتجوّز فيه على قولهم أقلّ لفظا ، مع أن فى هذا التجوز تنبيها على أصالة شىء فى شىء ، أى أصالة الهمزة فى التصدير ، وأما الثانى فلأنه غير ممكن فى نحو (أَفَمَنْ هُوَ قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ) وقد جزم الزمخشرىّ فى مواضع بما يقوله الجماعة ، منها قوله فى (أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى) : إنّه عطف على (فَأَخَذْناهُمْ بَغْتَةً) وقوله فى (أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ أَوَآباؤُنَا) فيمن قرأ بفتح الواو : إن (آباؤُنا) عطف على الضمير فى (مَبْعُوثُونَ) وإنه اكتفى بالفصل بينهما بهمزة الاستفهام ، وجوّز الوجهين فى موضع ، فقال فى قوله تعالى : (أَفَغَيْرَ دِينِ اللهِ يَبْغُونَ) دخلت همزة الإنكار على الفاء العاطفة جملة على جملة ، ثم توسّطت الهمزة بينهما ، ويجوز أن يعطف على محذوف تقديره : أيتولّون فغير دين الله يبغون.