أبوه ترفع جميع هذا على الابتداء والخبر والجر لغة وليست بالجيدة وتقول : ما رأيت رجلا أبغض إليه الشرّ منه إليه وما رأيت آخر أحسن في عينه الكحل منه في عين زيد فإنما جرى : (أبغض وأحسن) على (رجل) في إعرابه.
وإن كان قد وقع بهما الشر والكحل ؛ لأن الصفة في المعنى له وليس هنا موصوف غيره ؛ لأنه هو المبغض للشر وهو الحسن بالكحل فلهذا لم يشبه : مررت برجل خير منه أبوه ؛ لأن أباه غيره وليس له في الخبر الذي في (أبيه) نصيب وقد تخفض العرب هذا الكلام فتقول : ما رأيت رجلا أحسن في عينه الكحل من زيد وما رأيت أبغض إليه الشرّ منه فإذا فعلوا هذا جعلوا الهاء التي كانت في (منه) للمذكر المضمر وكانت للكحل والشرّ وما أشبههما قال الشاعر :
مررت على وادي السّباع ولا أرى |
|
كوادي السّباع حين يظلم واديا |
أقلّ به ركب أتوه تئية |
|
وأخوف إلّا ما وقى الله ساريا (١) |
__________________
(١) على أن أفعل فيه من قبيل : ما رأيت كعين زيد أحسن فيها الكحل.
قال سيبويه : إنما أراد أقل به الركب تئية منهم. ولكنه حذف استخفافا ، كما تقول : أنت أفضل ، ولا تقول من أحد. وتقول : الله أكبر ، ومعناه الله أكبر من كل شيء. انتهى.
قال ابن خلف : حذف منهم وبه اختصارا ، لعلم السامع. والهاء في به الأولى ضمير واديا ، والهاء في به التي بعد منهم ضمير وادي السباع.
وقال الجاربردي في رسالة ألفها لمسألة الكحل على عبارة الكافية : ولوقوع التغيير الكثير في العبارة الثالثة من الحذف والتقديم والتأخير ، ربما يتوهم أنها غير جائزة ، فلذلك احتاج إلى إيراد نظير لها جاء في كلام العرب ، وقد أنشده سيبويه ، وهو قوله :
مررت على وادي السباع ... البيت
والاستشهاد إنما يحصل من البيتين بقوله : ولا أرى كوادي السباع أقل به ركب أتوه تئية في وادي السباع.
فأفعل هاهنا وهو أقل ، جرى لشيء وهو في المعنى لمسبب هو الركب مفضل باعتبار من هو له ، وهو قوله به ، على نفسه ، باعتبار وادي السباع. انتهى.
وقد شرح الشارح المحقق البيتين بما لم يسبق به.
وقوله : الواو في ولا أرى اعتراضية ، هذا بالنظر إلى ما يأتي بعد البيت الثاني.
وجعل العيني جملة : ولا أرى حالية.