إبّان شبيبته حتى إنّه كان لم يبلغ الحلم في جملة من سنيه ، ولذلك ردّه رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم عن الجهاد يوم بدر وأُحد واستصغره ، وأجاز له يوم الخندق وهو ابن خمس عشرة سنة كما ثبت في الصحيح (١) ، وهو على جميع الأقوال في ولادته ، وهجرته ، ووفاته لم يكن مجاوزاً العشرين يوم وفاة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وهو في مثل هذا السنّ لا يُخيّر عادة في التفاضل بين مشيخة الصحابة ووجوه الأُمّة ، ولا يُتّخذ حكماً يُمضَى رأيه في الخيرة ، لأنّ الحكم الفاصل في مثل هذا يستدعي ممارسة طويلة ، ووقوفاً على تجاريب متتابعة مقرونة بعقليّة ناضجة ، وتمييز بين مقتضيات الفضيلة ، وعرفان لنفسيّات الرجال ، وقوّة في النفس لا يتمايل بها الهوى ، وابن عمر كان يفقد كلّ هذه لما ذكرناه من صغر سنّه يوم ذاك المانع عن كلّ ما ذكرناه ، وروايته هذه أقوى شاهد على فقدانه تلكم الملكات الفاضلة. قال أبو غسان الدوري : كنت عند عليّ بن الجعد فذكروا عنده حديث ابن عمر : كنّا نفاضل على عهد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فنقول : خير هذه الأُمّة بعد النبيّ أبو بكر وعمر وعثمان ، فيبلغ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم فلا ينكر. فقال عليّ بن الجعد : انظروا إلى هذا الصبيّ هو لم يحسن أن يطلّق امرأته يقول : كنّا نفاضل (٢).
ومن عرف ابن عمر وقرأ صحيفة تاريخه السوداء عرفه بضؤولة الرأي ، واتّباع الهوى ، وبفقدانه كلّ تلكم الخلال (٣) يوم بلغ أشدّه وكبر سنّه فضلاً عن عنفوان شبابه ، وسيوافيك نزر من آرائه السخيفة.
دع ابن عمر ومن لفّ لفّه يختار ويتقوّل (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ ما كانَ
__________________
(١) صحيح البخاري : ٦ / ٧٤ [٢ / ٤٨ ح ٢٥٢١] ، تاريخ الطبري : ٢ / ٢٩٦ [٢ / ٤٧٧] ، عيون الأثر : ٢ / ٦ ، ٧ [١ / ٤١٠] ، فتح الباري : ٧ / ٢٣٢ [٧ / ٣٩٣]. (المؤلف)
(٢) تاريخ الخطيب : ١١ / ٣٦٣ [رقم ٦٢١٥]. (المؤلف)
(٣) جمع خَلّة ، وهي الخصلة.