ذخائر العقبى (ص ٢٧).
وفي حديث بناء مسجد المدينة عن عائشة : جاء أبو بكر بحجر فوضعه ، ثم جاء عمر بحجر فوضعه ، ثم جاء عثمان بحجر فوضعه (١).
فهل هذا حكم القدر يأتي بهم متتابعين؟ أو قضيّة التباني طيلة حياة النبيّ الأقدس صلىاللهعليهوآلهوسلم فلا يقبلون إلاّ بهذا الترتيب؟ أو هو من حكم الطبيعة فلا يختلف ولا يتخلّف؟ أو أنّه من ولائد الاتّفاق لكنّه لم يتفاوت في أيّ من الموارد؟ أو أنّه من مشتهيات الوضّاعين الذين يتحرّون ترتيب الفضيلة هكذا؟ ولعلّ القول بالأخير هو المتعيّن فحسب.
٢٨ ـ عن زيد بن أبي أوفى قال : دخلت على رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم مسجده. وفي لفظ : خرج علينا رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ونحن في مسجد المدينة ، فجعل يقول : أين فلان؟ أين فلان؟ فلم يزل يبعث إليهم ويتفقّدهم حتى اجتمعوا عنده ، فلمّا توافوا عنده حمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : إنّي محدّثكم حديثاً فاحفظوه وعوه وحدّثوا به من بعدكم ، إنّ الله عزّ وجلّ اصطفى من خلقه خلقاً ثم تلا : (اللهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ) (٢) خلقاً يدخلهم الجنّة ، وإنّي أصطفي منكم من أحبّ أن أصطفيه ، ومؤاخٍ بينكم كما آخى الله عزّ وجلّ بين ملائكته ، فقم يا أبا بكر ، فقام فجثا بين يديه فقال : إنّ لك عندي يداً الله يجزيك بها ، فلو كنت متّخذاً خليلاً لاتّخذتك خليلاً ، فأنت منّي بمنزلة قميصي من جسدي ، وحرّك قميصه بيده. ثم قال : ادن يا عمر ، فدنا منه فقال : لقد كنت شديد الشغب علينا يا أبا حفص ، فدعوت الله أن يعزّ الإسلام بك أو بأبي جهل ، ففعل الله ذلك بك ، وكنت أحبّهما إلى الله ، فأنت معي في الجنّة ثالث ثلاثة من هذه الأُمّة ، ثم آخى بينه وبين أبي بكر.
__________________
(١) راجع الجزء الخامس : ص ٣٣٥. (المؤلف)
(٢) الحجّ : ٧٥.