ساعات الأزل (١) ، ومقامات الروع ، حتى برز سابقاً لا نظير له في جهاده ، ولا مقارب له في فعله ، وقد رأيتك تساميه وأنت أنت ، وهو هو ، المبرّز السابق في كلّ خير ، أوّل الناس إسلاماً ، وأصدق الناس نيّة ، وأطيب الناس ذرّية ، وأفضل الناس زوجة ، وخير الناس ابن عمّ ، وأنت اللعين ابن اللعين.
ثم لم تزل أنت وأبوك تبغيان الغوائل لدين الله ، وتجهدان على إطفاء نور الله ، وتجمعان على ذلك الجموع ، وتبذلان فيه المال ، وتحالفان فيه القبائل ، على ذلك مات أبوك ، وعلى ذلك خلفته ، والشاهد عليك بذلك من يأوي ويلجأ إليك من بقيّة الأحزاب ، ورؤوس النفاق والشقاق لرسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، والشاهد لعليّ مع فضله المبين ، وسبقه القديم ، أنصاره الذين ذكروا بفضلهم في القرآن ، فأثنى الله عليهم من المهاجرين والأنصار ، فهم معه عصائب وكتائب حوله ، يُجالدون بأسيافهم ويُهريقون دماءهم دونه ، يرون الفضل في اتّباعه ، والشقاء في خلافه ، فكيف ـ يا لك الويل ـ تعدل نفسك بعليّ؟ وهو وارث رسول الله ووصيّه وأبو ولده ، وأوّل الناس [له] (٢) اتّباعا ، وآخرهم به عهداً ، يخبره بسرّه ، ويُشركه في أمره ، وأنت عدوّه وابن عدوّه؟ فتمتّع ما استطعت بباطلك ، وليمدد لك ابن العاصي في غوايتك ، فكأنّ أجلك قد انقضى ، وكيدك قد وهى ، وسوف يستبين لمن تكون العاقبة العليا ، وأعلم أنّك إنّما تكايد ربّك الذي قد أمنت كيده ، وأيست من روحه ، وهو لك بالمرصاد ، وأنت منه في غرور. وبالله وأهل رسوله عنك الغناء ، والسلام على من اتّبع الهدى.
مروج الذهب (٢ / ٥٩) ، كتاب صفّين (ص ١٣٢) ، شرح ابن أبي الحديد (١ / ٢٨٣) جمهرة الرسائل (١ / ٥٤٢) (٣).
__________________
(١) الأزل : الضيق والشدّة. (المؤلف)
(٢) الزيادة من شرح النهج.
(٣) مروج الذهب : ٣ / ٢٠ ، وقعة صفّين : ص ١١٨ ، شرح نهج البلاغة : ٣ / ١٨٨ كتاب : ٤٦.