٧٧ ـ عن أبي مزروع الكلبي (١) قال : دخل صعصعة بن صوحان على معاوية ، فقال له : يا بن صوحان ، أنت ذو معرفة بالعرب وبحالها ـ إلى أن قال ـ : فأخبرني عن أهل الحجاز. قال : أسرع الناس إلى فتنة ، وأضعفهم عنها ، وأقلّهم غناءً فيها ، غير أنّ لهم ثباتاً في الدين ، وتمسّكاً بعروة اليقين ، يتّبعون الأئمّة الأبرار ، ويخلعون الفسقة الفجّار. فقال معاوية : من البررة والفسقة؟ فقال : يا بن أبي سفيان ترك الخداع من كشف القناع ، عليّ وأصحابه من الائمّة الأبرار ، وأنت وأصحابك من أولئك.
إلى أن قال معاوية : أخبرني عن أهل الشام. قال : أطوع الناس لمخلوق ، وأعصاهم للخالق ، عصاة الجبّار ، وحلفة الأشرار ، فعليهم الدمار ، ولهم سوء الدار. فقال معاوية : والله يا بن صوحان إنّك لحامل مديتك منذ أزمان ، إلاّ أنّ حلم ابن أبي سفيان يردّ عنك. فقال صعصعة : بل أمر الله وقدرته ، إنّ أمر الله كان قدراً مقدوراً (٢).
٧٨ ـ عن إبراهيم بن عقيل البصري ، قال : قال معاوية يوماً وعنده صعصعة ، وكان قدم عليه بكتاب عليّ وعنده وجوه الناس : الأرض لله ، وأنا خليفة الله ، فما آخذ من مال الله فهو لي ، وما تركت منه كان جائزاً لي ، فقال صعصعة :
تمنّيك نفسك ما لا يكو |
|
ن جهلاً مُعاويَ لا تأثمِ |
فقال معاوية : يا صعصعة تعلّمت الكلام. قال : العلم بالتعلّم ، ومن لا يعلم يجهل ، قال معاوية : ما أحوجك إلى أن أذيقك وبال أمرك! قال : ليس ذلك بيدك ، ذلك بيد الذي لا يؤخّر نفساً إذا جاء أجلها ، قال : ومن يحول بيني وبينك؟ قال : الذي يحول بين المرء وقلبه. قال معاوية : اتّسع بطنك للكلام كما اتّسع بطن البعير للشعير.
__________________
(١) في المصدر : عن ابن مردوع الكلبي.
(٢) مروج الذهب : ٢ / ٧٨ ، ٧٩ [٣ / ٥٢ ـ ٥٣]. (المؤلف)