مندة من طريق محمد بن كعب القرظي ، قال : غزا عبد الرحمن بن سهل الأنصاري في زمن عثمان ، ومعاوية أمير على الشام ، فمرّت به روايا خمر ـ لمعاوية ـ فقام إليها برمحه فبقر كلّ راوية منها ، فناوشه الغلمان حتى بلغ شأنه معاوية ، فقال : دعوه فإنّه شيخ قد ذهب عقله. فقال : كلاّ والله (١) ما ذهب عقلي ، ولكن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم نهانا أن ندخل بطوننا وأسقيتنا خمراً ، وأحلف بالله لئن بقيت حتى أرى في معاوية ما سمعت من رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لأبقرنّ بطنه ، أو لأموتنّ دونه.
وذكره ابن حجر في الإصابة (٢ / ٤٠١) ، ولخّصه في تهذيب التهذيب (٢) (٦ / ١٩٢) ، وأخرجه ملخّصاً أبو عمر في الاستيعاب (٣) (٢ / ٤٠١) ، وذكره ابن الأثير في أُسد الغابة (٤) (٣ / ٢٩٩) باللفظ المذكور إلى (وأَسقيتنا) فقال : أخرجه الثلاثة ـ يعني ابن مندة وأبو نعيم وأبو عمر.
قال الأميني : لعلّ في الناس من يحسب أنّ سلسلة الاستهتار بمعاقرة الخمور كانت مبدوّة بيزيد بن معاوية ، وإن لم يحكم الضمير الحرّ بإنتاج أبوين صالحين في دار طنّبت بالصلاح والدين ، تخلو عن الخمر والفجور ، ولداً مستهتراً مثل يزيد الطاغية المتخصّص في فنون العيث والفساد ، لكن هذه الأنباء تُعلمنا أنّ هاتيك الخزاية كانت موروثة له من أبيه الماجن المشيع للفحشاء في الذين آمنوا ، بحمل الخمور إلى حاضرته على القطار تارة ، وعلى حماره أخرى ، بملإ من الأشهاد ، ونصب أعين المسلمين ، وتوزيعها في الملأ الدينيّ ، وهو يحاول مع ذلك أن لا ينقده أحد ، ولا ينقم عليه ناقم ، وكم لهذه المحاولة من نظائر ، ينبو عنها العدد ولا تقف على حدّ ، فهو وما ولد سواسية في الخمر والفحشاء والمجون ، وهذه هي التي أسقطته عند صلحاء الأُمّة ،
__________________
(١) كذا في مختصر تاريخ دمشق ، وفي الإصابة : كذب والله.
(٢) تهذيب التهذيب : ٦ / ١٧٣.
(٣) الاستيعاب : القسم الثالث / ٨٣٦ رقم ١٤٢٤.
(٤) أُسد الغابة : ٣ / ٤٥٨ رقم ٣٣٢٢.