وحطّته عن أعينهم ، فلا يرون له حرمة ولا كرامة ، ولا يقيمون له وزناً ، حتى إنّه لمّا استخلف قام على المنبر فخطب الناس ، فذكر أبا بكر ، وعمر ، وعثمان ، ثم قال : وليت فأخذت حتى خالط لحمي ودمي فهو (١) خير منّي ، وأنا خير ممّن بعدي. يا أيّها الناس إنّما أنا لكم جنّة.
فقام عبادة بن صامت فقال : أرأيت إن احترقت الجنّة؟ قال : إذن تخلص إليك النار ، قال : من ذلك أفرّ. فأمر به فأخذ. فأضرط بمعاوية (٢) ، ثم قال : علمت كيف كانت البيعتان حين دعينا إليهما؟ دعينا على أن نبايع على أن لا نزني ، ولا نسرق ، ولا نخاف في الله لومة لائم ، فقلت : أمّا هذه فاعفني يا رسول الله ، ومضيت أنا عليها ، وبايعت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ولأنت يا معاوية أصغر في عيني من أن أخافك في الله عزّ وجلّ (٣).
وذكر معاوية الفرار من الطاعون في خطبته ، فقال له عبادة : أمّك هند أعلم منك (٤). وسيوافيك قوله له : لا أُساكنك بأرض ، وقوله : لنحدّثن بما سمعنا من رسول الله وإن رغم معاوية ، ما أُبالي أن لا أصحبه في جنده ليلة سوداء ، وقال أبو الدرداء له : لا أُساكنك بأرض أنت بها.
ومن جرّاء هذه المكافحة والكشف عن عورات الرجل ، كتب معاوية إلى عثمان بالمدينة : إنّ عبادة قد أفسد عليّ الشام وأهله ، فإمّا أن تكفّه إليك ، وإمّا أن أُخلي بينه
__________________
(١) إشارة إلى عثمان.
(٢) أضرط به : استخفّ به وسخر منه ، وهو أن يجمع شفتيه ويخرج من بينهما صوتاً.
(٣) تاريخ الشام لابن عساكر : ٧ / ٢١٣ [٢٦ / ١٩٩ ـ ٢٠٠ رقم ٣٠٧١ ، وفي مختصر تاريخ دمشق : ١١ / ٣٠٨]. (المؤلف)
(٤) أخرجه ابن عساكر والطبراني كما في تاريخ الشام : ٧ / ٢١٠ [٢٦ / ١٩٥ رقم ٣٠٧١ ، وفي مختصر تاريخ دمشق : ١١ / ٣٠٦]. (المؤلف)