وقال ابن حجر في فتح الباري (١) (٣ / ٤١٩) : وباستمرارها قال الشافعي ، وأبو حنيفة ، والثوري ، وأحمد ، وإسحاق ، وأتباعهم.
وفي نيل الأوطار (٢) (٥ / ٥٥) : أنّ التلبية تستمرّ إلى رمي جمرة العقبة ، وإليه ذهب الجمهور.
هذا ما تسالمت عليه الأُمّة سلفاً وخلفاً ، لكنّ معاوية جاء متهاوناً بالسنّة لمحض أنّ عليّا عليهالسلام كان ملتزماً بها ، فحدته بغضاؤه إلى مضادّته ولو لزمت مضادّة السنّة ، ومحو زينة الحجّ ، هذه نظريّة خليفة المسلمين فيما حسبوه ، وهذا مبلغه من الدين ومبوّؤه من الأخذ بسنّة نبيّه صلىاللهعليهوآلهوسلم فلهفي على المسلمين من متغلّب عليهم باسم الخلافة.
وإنّي لست أدري أكان من السائغ الجائز لعن ابن عبّاس وهو محرم في ذلك الموقف العظيم ، في مثل يوم عرفة اليوم المشهود معاويةَ مبغض عليّ أمير المؤمنين ومناوئه تارك سنّة محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم؟ هلاّ كان حبر الأُمّة يعلم أنّ الصحابة كلّهم عدول؟ أو أنّ الصحابيّ كائناً من كان لا يجوز سبّه؟ أو أنّ معاوية مجتهد وللمخطئ من المجتهدين أجر واحد؟ أنا لا أدري ، غير أنّ ابن عبّاس لا يقول بالتافه ولا يخبت إلى الخرافة.
وما أظلم معاوية الجاهل بأحكام الله! فإنّه يخالف هاهنا عليّا عليهالسلام وهو بكلّه حاجة وافتقار إلى علم الإمام الناجع ، قال سعيد بن المسيّب : إنّ رجلاً من أهل الشام وجد رجلاً مع امرأته فقتله وقتلها ، فأشكل على معاوية الحكم فيه ، فكتب إلى أبي موسى ليسأل له عليّ بن أبي طالب ، فقال له عليّ رضى الله عنه : «هذا شيء ما وقع بأرضي عزمت عليك لتخبرنّي». فقال له أبو موسى : إنّ معاوية كتب إليّ به أن
__________________
(١) فتح الباري : ٣ / ٥٣٣.
(٢) نيل الأوطار : ٤ / ٣٦١.