ابن زياد (١). فقال : أما لقد اصطنعك أبي ورفاك حتى بلغت باصطناعه المدى الذي لا يُجارى إليه ولا يُسامى ، فما شكرت بلاءه ولا جازيته بآلائه ، وقدّمت عليّ هذا ـ يعني يزيد بن معاوية ـ وبايعت له وو الله لأنا خير منه أباً وأمّا ونفساً. فقال معاوية : أمّا بلاء أبيك فقد يحقّ عليّ الجزاء به ، وقد كان من شكري لذلك أنّي طلبت بدمه حتى تكشّفت الأُمور ، ولست بلائم لنفسي في التشمير ، وأمّا فضل أبيك على أبيه فأبوك والله خير منّي ، وأقرب برسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وأمّا فضل أُمّك على أُمّه فما ينكر ، امرأة من قريش خير من امرأة من كلب ، وأمّا فضلك عليه فو الله ما أُحبّ أنّ الغوطة دحست (٢) ليزيد رجالاً مثلك ، فقال له يزيد : يا أمير المؤمنين ابن عمّك وأنت أحقّ من نظر في أمره ، وقد عتب عليك لي فأعتبه (٣).
وفي لفظ ابن قتيبة : فلمّا قدم معاوية الشام ، أتاه سعيد بن عثمان بن عفّان ، وكان شيطان قريش ولسانها ، قال : يا أمير المؤمنين علامَ تبايع ليزيد وتتركني؟ فو الله لتعلم أنّ أبي خير من أبيه ، وأُمّي خير من أُمّه ، وأنا خير منه ، وإنّك إنّما نلت ما أنت فيه بأبي. فضحك معاوية وقال : يا بن أخي أمّا قولك : إنّ أباك خير من أبيه. فيوم من عثمان خير من معاوية. وأمّا قولك : إنّ أُمّك خير من أُمّه ، ففضل قرشيّة على كلبيّة فضل بيّن. وأمّا أن أكون نلت ما أنا فيه بأبيك فإنّما هو الملك يؤتيه الله من يشاء ، قتل أبوك ؛ فتواكلته بنو العاصي وقامت فيه بنو حرب ، فنحن أعظم بذلك منّةً عليك ، وأمّا أن تكون خيراً من يزيد ، فو الله ما أُحبّ أنّ داري مملوءة رجالاً مثلك بيزيد ، ولكن دعني من هذا القول ، وسلني أُعطك. فقال سعيد بن عثمان بن عفّان :
__________________
(١) سار إلى خرسان في أخريات سنة ٥٣ وأقام بها سنتين ، كما رواه الطبري في تاريخه ٦ / ١٦٦ ، ١٦٧ [٥ / ٢٩٧]. (المؤلف)
(٢) دُحست : ملئت.
(٣) تاريخ الطبري : ٦ / ١٧١ [٥ / ٣٠٥ حوادث سنة ٥٦ ه] ، تاريخ ابن كثير : ٨ / ٧٩ ، ٨٠ [٨ / ٨٥ ، ٨٦ حوادث سنة ٥٦ ه وفيه : ورقّاك] ج. (المؤلف)