والأحنف بن قيس في وفد أهل البصرة ، فقال محمد بن عمرو لمعاوية : إنّ كلّ راعٍ مسؤول عن رعيّته فانظر من تولّي أمر أُمّة محمد. فأخذ معاوية بهر (١) حتى جعل يتنفّس في يوم شاتٍ ثم وصله وصرفه. وأمر الأحنف أن يدخل على يزيد فدخل عليه ، فلمّا خرج من عنده قال له : كيف رأيت ابن أخيك؟ قال : رأيت شباباً ونشاطاً وجلداً ومزاحاً.
ثم إنّ معاوية قال للضحّاك بن قيس الفهري لمّا اجتمع الوفود عنده : إنّي متكلم ، فإذا سكتّ فكن أنت الذي تدعو إلى بيعة يزيد وتحثّني عليها. فلمّا جلس معاوية للناس ، تكلّم فعظّم أمر الإسلام ، وحرمة الخلافة وحقّها ، وما أمر الله به من طاعة ولاة الأمر ، ثم ذكر يزيد وفضله وعلمه بالسياسة ، وعرض ببيعته ، فعارضه الضحاك ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : يا أمير المؤمنين إنّه لا بدّ للناس من والٍ بعدك ، وقد بلونا الجماعة والألفة فوجدناهما أحقن للدماء ، وأصلح للدهماء ، وآمن للسبل ، وخيراً في العاقبة ، والأيّام عوج رواجع ، والله كلّ يوم هو في شأن ، ويزيد ابن أمير المؤمنين ، في حسن هديه ، وقصد سيرته على ما علمت ، وهو من أفضلنا علماً وحلماً ، وأبعدنا رأياً ، فولِّه عهدك ، واجعله لنا علماً بعدك ، ومفزعاً نلجأ إليه ، ونسكن في ظلّه. وتكلّم عمرو بن سعيد الأشدق بنحو من ذلك ، ثم قام يزيد بن المقنع العذري ، فقال : هذا أمير المؤمنين ـ وأشار إلى معاوية ـ ، فإن هلك فهذا وأشار إلى يزيد ، ومن أبى فهذا وأشار إلى سيفه ، فقال معاوية : اجلس فأنت سيّد الخطباء. وتكلّم من حضر من الوفود.
فقال معاوية للأحنف : ما تقول يا أبا بحر؟ فقال : نخافكم إن صدقنا ، ونخاف الله إن كذبنا ، وأنت أمير المؤمنين أعلم بيزيد في ليله ونهاره ، وسرّه وعلانيته ، ومدخله ومخرجه ، فإن كنت تعلمه لله تعالى وللأُمّة رضا فلا تشاور فيه ، وإن كنت
__________________
(١) البهر : انقطاع النفس من الإعياء. (المؤلف)