تعلم فيه غير ذلك فلا تزوّده الدنيا وأنت صائر إلى الآخرة ، وإنّما علينا أن نقول : سمعنا وأطعنا. وقام رجل من أهل الشام فقال : ما ندري ما تقول هذه المعديّة العراقيّة ، وإنّما عندنا سمع وطاعة وضرب وازدلاف. فتفرّق الناس يحكون قول الأحنف ، وكان معاوية يعطي المقارب ، ويُداري المباعد ويلطف به ، حتى استوثق له أكثر الناس وبايعه (١).
صورة أخرى :
قالوا : ثم لم يلبث معاوية بعد وفاة الحسن رحمهالله إلاّ يسيراً حتى بايع ليزيد بالشام ، وكتب بيعته إلى الآفاق ، وكان عامله على المدينة مروان بن الحكم ، فكتب إليه يذكر الذي قضى الله به على لسانه من بيعة يزيد ، ويأمره أن يجمع من قبله من قريش وغيرهم من أهل المدينة ثم يبايعوا ليزيد.
فلمّا قرأ مروان كتاب معاوية أبى من ذلك وأبته قريش ، فكتب لمعاوية : إنّ قومك قد أبوا إجابتك إلى بيعتك ابنك ، فأرِني رأيك. فلمّا بلغ معاوية كتاب مروان عرف ذلك من قبله ، فكتب إليه يأمره أن يعتزل عمله ، ويخبره أنّه قد ولّى المدينة سعيد بن العاص ، فلمّا بلغ مروان كتاب معاوية ، أقبل مغاضباً في أهل بيته وناس كثير من قومه ، حتى نزل بأخواله بني كنانة ، فشكا إليهم وأخبرهم بالذي كان من رأيه في أمر معاوية وفي عزله ، واستخلافه يزيد ابنه عن غير مشاورة مبادرة له ، فقالوا : نحن نبلك في يدك ، وسيفك في قرابك ، فمن رميته بنا أصبناه ، ومن ضربته قطعناه ، الرأي رأيك ، ونحن طوع يمينك.
ثم أقبل مروان في وفد منهم كثير ممّن كان معه من قومه وأهل بيته ، حتى نزل
__________________
(١) العقد الفريد : ٢ / ٣٠٢ ـ ٣٠٤ [٤ / ١٦١ ـ ١٦٣] ، الكامل لابن الأثير : ٣ / ٢١٤ ـ ٢١٦ [٢ / ٥٠٩ حوادث سنة ٥٦ ه]. (المؤلف)