فاتّق الله يا معاوية وأنصف من نفسك ، فإنّ هذا عبد الله بن عبّاس ابن عمّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وهذا عبد الله بن جعفر ذي الجناحين ابن عمّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وأنا عبد الله بن الزبير ابن عمّة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وعليّ خلّف حسناً وحسيناً ، وأنت تعلم من هما ، وما هما ، فاتّق الله يا معاوية وأنت الحاكم بيننا وبين نفسك.
فتكلّم عبد الله بن عمر ، فقال :
الحمد الله الذي أكرمنا بدينه ، وشرّفنا بنبيّه صلىاللهعليهوآلهوسلم : أمّا بعد : فإنّ هذه الخلافة ليست بهرقليّة ، ولا قيصريّة ، ولا كسرويّة ، يتوارثها الأبناء عن الآباء ، ولو كان كذلك كنت القائم بها بعد أبي ، فو الله ما أدخلني مع الستّة من أصحاب الشورى ، إلاّ [على] أنّ الخلافة ليست شرطاً مشروطاً ، وإنّما هي في قريش خاصّة ، لمن كان لها أهلاً ، ممّن ارتضاه المسلمون لأنفسهم ، من كان أتقى وأرضى ، فإن كنت تريد الفتيان من قريش ، فلعمري إنّ يزيد من فتيانها ، واعلم أنّه لا يُغني عنك من الله شيئاً.
فتكلّم معاوية ، فقال :
قد قلت وقلتم ، وإنّه قد ذهبت الآباء وبقيت الأبناء ، فابني أحبّ إليّ من أبنائهم ، مع أنّ ابني إن قاولتموه وجد مقالاً ، وإنّما كان هذا الأمر لبني عبد مناف ، لأنّهم أهل رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فلمّا مضى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ولّى الناس أبا بكر وعمر ، من غير معدن الملك والخلافة ، غير أنّهما سارا بسيرة جميلة ، ثم رجع الملك إلى بني عبد مناف ، فلا يزال فيهم إلى يوم القيامة ، وقد أخرجك الله يا بن الزبير وأنت يا بن عمر منها ، فأمّا ابنا عمّي هذان فليسا بخارجين من الرأي إن شاء الله.
ثم أمر بالرحلة وأعرض عن ذكر البيعة ليزيد ، ولم يقطع عنهم شيئاً من صِلاتهم وأُعطياتهم ، ثم انصرف راجعاً إلى الشام ، وسكت عن البيعة ، فلم يعرض لها إلى سنة إحدى وخمسين.