وفي إثر هذا جاء في الأثر : أنّ عثمان لمّا أشرف على الناس فسمع بعضهم يقول : لا نقتله ولكن نعزله ، قال : أمّا عزلي فلا وأمّا قتلي فعسى.
وهذا من أتفه ما ارتآه ابن عمر ، فإنّ أمره عثمان أن لا يخلع نفسه خيفة أن يطّرد ذلك جارٍ في صورة عدم الخلع المنتهي إلى القتل الذي هو أفظع من الخلع ، وفي كلّ منهما سقوط هيبة السلطان وزوال أُبّهة الخلافة ، غير أنّ البقاء مخلوعاً أخفّ وطأة وأبعد عن مثار الفتن ، ومن مشاهد الفتن الثائرة بعد قتل عثمان من قاتليه والحاضّين عليه والمتخاذلين عنه ، فمن قائلة : اقتلوا نعثلاً. قتل الله نعثلاً. تطلب ثاره. ومؤلِّبَينِ عليه ، أخذا بضبعي الهودج يحثّان على الهتاف بثارات عثمان ، وموّها عليها نبح كلاب الحوأب ، ومتقاعد عنه بالشام حتى إذا أُودِي به كتّب الكتائب ، وخرج إلى صفّين ، وأزلف إليه من كان يقول لمّا بلغه أنّه محصور : أنا أبو عبد الله قد يضرط العير والمكواة في النار (١). ولمّا بلغه مقتله قال : أنا أبو عبد الله قتلته وأنا بوادي السباع (٢). قال هذا ثم طفق يثب مع معاوية يطلب الثار ، وكان من ولائد وقعة صفّين مقتل الخوارج بالنهروان ، فمن جرّاء هذه المعامع كانت مجزرة كبرى لزرافات من الصحابة والتابعين ووجهاء الأمصار ورؤساء القبائل وصلحاء المسلمين ، وهل كانت هذه المفاسد إلاّ ولائد ذلك الرأي الفطير الذي أسدى به ابن عمر للخليفة المقتول؟ ولو كان سالم القوم كما أشار إليه المغيرة بن الأخنس فخلعوه ، بقي حلس بيته ولا ثائر ولا مشاغب ، وبقيت بيوت المسلمين عامرة ولم تكن تنتشر الفتن في البلاد.
قال ابن حجر في فتح الباري (٣) (١٣ / ١٠) : انتشرت الفتن في البلاد ، فالقتال بالجمل وبصفّين كان بسبب قتل عثمان ، والقتال بالنهروان بسبب التحكيم بصفّين ،
__________________
(١) يُضْرب للرجل يخاف الأمر فيجزع قبل وقوعه فيه. مجمع الأمثال : ٢ / ٤٨٠ رقم ٢٨٥٠.
(٢) راجع ما مرّ في الجزء الثاني : ص ١٥٤ ، والجزء التاسع : ص ١٣٦ ـ ١٣٩. (المؤلف)
(٣) فتح الباري : ١٣ / ١٣ ، ٥١.