القضية أن ينظر :
أوّلاً : إلى أنّ معاوية نفسه لم يشهد وقعة عثمان حتى يبصر المباشر لقتله ، وإنّما تثبّط عن نصرته ، بل كان يحبّذ قتله طمعاً في أن ينال الملك (١) بعده بحججه التافهة.
وثانياً : إلى أنّ أمير المؤمنين ـ سلام الله عليه ـ كان غائباً عن المدينة المنوّرة عند وقوع الواقعة (٢) ، فكيف تصحّ مباشرته لقتل أو قتال؟! أو كان ساكناً في عقر داره بالمدينة لا له ولا عليه.
وثالثاً : إلى شهادات الزور المتولّدة من دسائس ابن حرب ترمي أبرأ الناس من ذلك الدم المراق ، بإيعاز من ابن النابغة ، ذلك العامل الوحيد في قتل عثمان ، وقد سمعت عقيرته أذن الدنيا : أنا أبو عبد الله قتلته وأنا بوادي السباع (٣).
قال الجرجاني : لمّا بات عمرو عند معاوية وأصبح ، أعطاه مصر طعمة له ، وكتب له بها كتاباً وقال : ما ترى؟ قال : امض الرأي الأوّل. فبعث مالك بن هبيرة الكندي في طلب محمد بن أبي حذيفة ، فأدركه فقتله ، وبعث إلى قيصر بالهدايا فوادعه. ثم قال : ما ترى في عليّ؟ قال : أرى فيه خيراً ، أتاك في هذه البيعة خير أهل العراق ، ومن عند خير الناس في أنفس الناس ، ودعواك أهل الشام إلى ردّ هذه البيعة خطر شديد ، ورأس أهل الشام شرُحبيل بن السمط الكندي ، وهو عدوّ لجرير المرسل إليك ، فأرسل إليه ووطّن له ثقاتك فليُفشوا في الناس : أنّ عليّا قتل عثمان ، وليكونوا أهل الرضا عند شُرحبيل ، فإنّها كلمة جامعة لك أهل الشام على ما تحبّ ، وإن تعلّقت بقلب شُرحبيل لم تخرج منه بشيء أبدا.
فكتب إلى شرحبيل : إنّ جرير بن عبد الله قدم علينا من عند عليّ بن أبي
__________________
(١) راجع ما أسلفناه في الجزء التاسع : ص ١٤٩ ـ ١٥٢. (المؤلف)
(٢) مرّ حديثه في الجزء التاسع : ص ٢٤٣. (المؤلف)
(٣) أنظر ما فصّلناه في الجزء التاسع : ص ١٣٦ ـ ١٣٨. (المؤلف)