طالب بأمر فظيع (١) ، فاقدم. ودعا معاوية : يزيد بن أسد ، وبُسر بن أرطاة ، وعمرو بن سفيان ، ومخارق بن الحارث ، وحمزة بن مالك ، وحابس بن سعد الطائي ، وهؤلاء رءوس قحطان واليمن ، وكانوا ثقات معاوية وخاصّته ، وبني عمّ شرحبيل بن السمط ، فأمرهم أن يلقوه ويُخبروه : أنّ عليّا قتل عثمان. فلمّا قدم كتاب معاوية على شُرحبيل وهو بحمص ، استشار أهل اليمن ، فاختلفوا عليه ، فقام إليه عبد الرحمن بن غنم الأزدي وهو صاحب معاذ بن جبل وخَتَنِه ، وكان أفقه أهل الشام ، فقال : يا شُرحبيل إنّ الله لم يزل يزيدك خيراً مذ هاجرت إلى اليوم ، وإنّه لا ينقطع المزيد من الله حتى ينقطع الشكر من الناس ، ولا يغيّر ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم ، إنّه قد ألقي إلينا قتل عثمان ، وأنّ عليّا قتل عثمان (٢) ، فإن يك قتله فقد بايعه المهاجرون والأنصار ، وهم الحكّام على الناس ، وإن لم يكن قتله فعلام تصدّق معاوية عليه؟ لا تهتك (٣) نفسك وقومك ، فإن كرهت أن يذهب بحظّها جرير ، فسر إلى عليّ فبايعه على شامك وقومك ، فأبى شُرحبيل إلاّ أن يسير إلى معاوية ، فبعث إليه عياض الثمالي وكان ناسكاً :
يا شُرحُ يا بن السمط إنّك بالغٌ |
|
بودِّ عليٍّ ما تريد من الأمرِ |
ويا شُرحُ إنَّ الشام شأمك ما بها |
|
سواك فدع قول المضلّل من فهرِ |
فإنَّ ابن حربٍ ناصبٌ لك خدعةً |
|
تكون علينا مثل راغية البكرِ (٤) |
فإن نال ما يرجو بنا كان ملكنا |
|
هنيئاً له ، والحرب قاصمة الظهرِ |
__________________
(١) في شرح النهج : بأمر مفظع.
(٢) في شرح ابن أبي الحديد [٢ / ٧١ خطبة ٢٦] : إنّه قد أُلقي إلى معاوية أنّ عليّا قتل عثمان ، ولهذا يريدك. (المؤلف)
(٣) في وقعة صفّين : لا تهلك.
(٤) الراغية : الرغاء ، البكر : ولد الناقة. مثل يضرب في التشاؤم. أنظر ثمار القلوب : ص ٢٨٢ [ص ٣٥٢ رقم ٥٣٨]. (المؤلف)