المؤمنين عليهالسلام : «ما هو إلاّ الكفر ، أو قتال القوم». فهلاّ عرف الرجل وبال أمر أصحاب الجمل ، ومغبّة تلك النخوة والغرور ، والتركاض وراء الأهواء والشهوات ، بعد قتل آلاف مؤلّفة من الصالح والطالح ، من أهل الحقّ والباطل؟ فإشهاره السيف لإزهاق النفوس بريئة كانت أو متّهمة من رجال أو نساء أو أغلمة ، وقتل أمم وزرافات تُعدّ بالآلاف بإنسان واحد قتله المجتهدون العدول من أُمّة محمد بعد إقامة الحجّة عليه ، إنّما هو ممّا حظرته الشريعة ، ولم يُعرف له مساغ من الدين ، وكان ابن هند في الأمر كما كتب إليه الإمام عليهالسلام : «لست تقول فيه بأمر بيّن يُعرف له أثر ، ولا عليك منه شاهد ، ولست متعلّقاً بآية من كتاب الله ، ولا عهد من رسول الله» (١).
وتاسعاً : إلى أنّ ما حكم به خليفة الوقت يجب اتّباعه ولا يجوز نقضه ، فقد كتب عليّ عليهالسلام إلى معاوية في كتاب له : «وأمّا ما ذكرت من أمر قتلة عثمان ، فإنّي نظرت في هذا الأمر ، وضربت أنفه وعينه فلم أره يسعني دفعهم إليك ولا إلى غيرك ، ولعمري لئن لم تنزع عن غيّك وشقاقك لتعرفنّهم عمّا قليل يطلبونك ، لا يكلّفونك أن تطلبهم في برّ ولا بحر» (٢).
فهلاّ كان ذلك نصّا من الإمام عليهالسلام على أنّه لا مساغ له لأن يدفع قتلة عثمان لأيّ إنسان ثائر ، وأنّ طلب ذلك منه غيّ وشقاق ، فهل كان معاوية يحسب أنّ أمير المؤمنين عليهالسلام يتنازل عن رأيه إذا ما ارتضاه هو؟ أو يعدل عن الحقّ ويتّبع هواه؟ حاشا ثم حاشا ، أو لم يكن من واجب معاوية البخوع لحكم الإمام المطهّر بنصّ القرآن ، والإخبات إلى رأيه الذي لا يفارق القرآن؟ كيف لا؟ وقد صحّ عند القوم عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم روايات تمسّكوا بها في اتّباع نظراء معاوية ويزيد من أئمّة الضلال
__________________
(١) كتاب صفّين لابن مزاحم : ص ١٢٢ [ص ١٠٩] ، شرح ابن أبي الحديد : ٣ / ٤١٢ [١٥ / ٨٦]. (المؤلف)
(٢) كتاب صفّين : ص ٩٦ ، ١٠٢ [ص ٨٦ ، ٩١] ، العقد الفريد : ٢ / ٢٨٦ [٤ / ١٣٩] ، شرح ابن أبي الحديد : ٣ / ٤٠٩ [١٥ / ٧٨]. (المؤلف)