على الفور مع كثرة عشائرهم واختلاطهم بعسكر عليّ يؤدّي إلى اضطراب وتزلزل في أمر الخلافة التي بها انتظام كلمة أهل الإسلام ، سيّما وهي في ابتدائها لم يستحكم الأمر فيها ، فرأى عليّ عليهالسلام أنّ تأخير تسليمهم أصوب إلى أن يرسخ قدمه في الخلافة ، ويتحقّق التمكّن من الأُمور فيها على وجهها ، ويتمّ له انتظام شملها واتّفاق كلمة المسلمين ، ثم بعد ذلك يلتقطهم واحداً فواحداً ويسلّمهم إليهم ، ويدلّ لذلك أنّ بعض قتلته عزم على الخروج على عليّ ومقاتلته ، لمّا نادى يوم الجمل بأن يخرج عنه قتلة عثمان ، وأيضاً فالذين تمالئوا على قتل عثمان كانوا جموعاً كثيرة كما علم ممّا قدّمته في قصّة محاصرتهم له إلى أن قتله بعضهم ، جمع من أهل مصر قيل : سبعمائة ، وقيل : ألف ، وقيل خمسمائة ، وجمع من الكوفة ، وجمع من البصرة وغيرهم ، قدموا كلّهم المدينة ، وجرى منهم ما جرى ، بل ورد أنّهم هم وعشائرهم نحو من عشرة آلاف ، فهذا هو الحامل لعليّ رضى الله عنه على الكفّ عن تسليمهم ، لتعذّره كما عرفت.
ويُحتمل أنّ عليّا رضى الله عنه رأى أنّ قتلة عثمان بغاة ، حملهم على قتله تأويل فاسد استحلّوا به دمه رضى الله عنه ، لإنكارهم عليه أموراً كجعله مروان ابن عمّه كاتباً له ، وردّه إلى المدينة بعد أن طرده النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم منها ، وتقديمه أقاربه في ولاية الأعمال ، وقضيّة محمد ابن أبي بكر ، ظنّوا أنّها مبيحة لما فعلوه جهلاً منهم وخطأً ، والباغي إذا انقاد إلى الإمام العدل لا يؤاخذ بما أتلفه في حال الحرب عن تأويل دماً كان أو مالاً ، كما هو المرجّح من قول الشافعي رضى الله عنه ، وبه قال جماعة آخرون من العلماء ، وهذا الاحتمال وإن أمكن لكن ما قبله أولى بالاعتماد منه. إلخ.
قال الأميني : هب أنّ عثمان قُتل مظلوماً بيد الجور والتعدّي.
وأنّه لم يك يقترف قطّ ما يهدر دمه.
وأنّ قتله لم يقع بعد إقامة الحجّة عليه والأخذ بكتاب الله في أمره.
وأنّه لم يُقتل في معمعة بين آلاف مكردسة من المدنيّين ، والمصريّين ، والكوفيّين ، والبصريّين.