إلى معاوية ، فقال : إن لم يكن قتله بيده فقد أمر رجالاً ، فرجعوا إلى عليّ فقال : «والله لا قتلت ولا أمرت ولا ماليت». فرجعوا فقال معاوية : فإن كان صادقاً فليقدنا من قتلة عثمان ، فإنّهم في عسكره وجنده. فرجعوا ، فقال عليّ : «تأوّل القوم عليه القرآن في فتنة ووقعت الفرقة لأجلها ، وقتلوه في سلطانه وليس لي عليهم سبيل». فرجعوا إلى معاوية فأخبروه ، فقال : إن كان الأمر على ما يقول فما له أنفذ الأمر دوننا من غير مشورة منّا ولا ممّن هاهنا؟ فرجعوا إلى عليّ فقال عليّ : «إنّما الناس مع المهاجرين والأنصار ، فهم شهود الناس على ولايتهم وأمر دينهم ، ورضوا وبايعوني ، ولست أستحلّ أن أدع مثل معاوية يحكم على الأُمّة ويشق عصاها» ، فرجعوا إلى معاوية ، فقال : ما بال من هاهنا من المهاجرين والأنصار لم يدخلوا في هذا الأمر؟ فرجعوا ، فقال عليّ : «إنّما هذا للبدريّين دون غيرهم ، وليس على وجه الأرض بدريّ إلاّ وهو معي ، وقد بايعني وقد رضي ، فلا يغرنّكم من دينكم وأنفسكم» (١).
هاهنا تجد الباغي متجهّما تجاه تلك الدعوة الحقّة كأنّه هو بمفرده ، أو هو وطغام الشام والأحلاف الذين حوله بيدهم عقدة أمر الأُمّة ، تنحلّ وتُعقد بمشيئتهم والمهاجرون والأنصار والبدريّون من الصحابة قطّ لا قيمة لهم ، ولا لبيعتهم وجماعتهم ، عنده في سوق الاعتبار ، يقول : إنّ الجماعة معه ، وإنّ الطاعة لا يراها هو ، على حين أنّهما حصلتا له ـ صلوات الله عليه ـ رضي به ابن هند أو أبى ، وأنّ الجماعة التي كانت لعليّ عليهالسلام وبيعتهم إيّاه كانت من سروات المجد ، وأهل الحلّ والعقد من المهاجرين والأنصار ، ووجوه الأمصار والبلاد ، ولم يتحقّق إجماع في الإسلام مثله ، وأمّا التي كانت لمعاوية في حسبانه فمن رعرعة الشام ، وروّاد الفتن ، وسماسرة الأهواء ، ولم يكن معه ـ كما قال سيّدنا قيس بن سعد بن عبادة ـ : إلاّ طليق أعرابي أو يمانيّ مستدرج ، وكان معه مائة ألف ما فيهم من يفرّق بين الناقة والجمل ، كما مرّ
__________________
(١) تاريخ ابن كثير : ٧ / ٢٥٨ [٧ / ٢٨٧ حوادث سنة ٣٧ ه]. (المؤلف)