حديثه في (ص ١٩٥) ، فأيّ عبرة بموقف هؤلاء؟ وأيّ قيمة لبيعتهم بعد شذوذهم عن الحقّ ، ونبذهم إيّاه وراء ظهورهم؟
من يكن ابن آكلة الأكباد وزبانيته حتى يكون لهم رأي في الخلافة؟ ويطلبوا من أمير المؤمنين اعتزال الأمر ، وردّه شورى بين المسلمين ، بعد أنّ العمد والدعائم من المسلمين رضوا بتلكم البيعة وعقدوها للإمام الحقّ على زهد منه عليهالسلام فيها ، لكنّهم تكاثروا عليه كعرف الفرس ، حتى لقد وطئ الحسنان ، وشقّ عطفاه ، فكان تدخّل الطليق ابن الطليق في أمر الأُمّة الذي أصفق عليه رجال الرأي والنظر تبرّعاً منه من غير طلب ولا جدارة ، بل كان خروجاً على الإمام الذي كانت معه جماعة المسلمين ، وانعقدت عليه طاعتهم ، فتبّا لمن شقّ عصاهم ، وفتّ في عضدهم.
وابن هند إن لم يكن ينازع للخلافة كما حسبه ابن حجر ، فما كانت تلك المحاباة وتغرير وجوه الناس ورجالات الثورات بولايات البلاد؟ فترى يجعل مصر طعمة لعمرو ابن العاص ، وله خطواته الواسعة وراء قتل عثمان ، ويعهد على زياد التميمي أن يولّيه أيّ المصرين أحبّ إذا ظهر ، غير أنّ التميمي كان على بيّنة من ربّه فيما أنعم الله عليه لم يك ظهيراً للمجرمين ، وكذلك قيس بن سعد الأنصاري ، كتب إليه معاوية يعده بسلطان العراقين إذا ظهر ما بقي ، ولمن أحبّ قيس سلطان الحجاز ما دام له سلطان (١) ، وقيس شيخ الأنصار ، وهم المتسربلون بالحديد يوم الجمل ، قائلين : نحن قتلة عثمان.
ولنا حقّ النظر في قوله لشبث بن ربعي : وما يمنعني من ذلك ، والله لو أُمكنت من ابن سميّة ما قتلته بعثمان ... إلى آخره. من الذي أخبر معاوية عن عمّار وعن قتله عثمان ومولاه ناتل؟ وكان معاوية يومئذ بالشام ، ولينظر في البيّنة التي حكم بها على عمّار ، ولعلّها قامت بشهادة مزوّرة زوّرها نفس معاوية جرياً على عادته في أمثال هذه المواقف.
__________________
(١) تاريخ الطبري : ٥ / ٢٢٨ [٤ / ٥٥٠ حوادث سنة ٣٦ ه]. (المؤلف)