حجر إيّاه إنكاراً باتّا نصرةً له.
إنّ النعمان بن بشير لمّا قدم على معاوية بكتاب زوجة عثمان تذكر فيه دخول القوم عليه ، وما صنع محمد بن أبي بكر من نتف لحيته ، في كتاب رقّقت فيه وأبلغت حتى إذا سمعه السامع بكى حتى يتصدّع قلبه. وبقميص عثمان مخضّباً بالدم ممزّقاً ، وعقدت شعر لحيته في زر القميص ، قال : فصعد المنبر معاوية بالشام وجمع الناس ، ونشر عليهم القميص ، وذكر ما صنعوا بعثمان فبكى الناس وشهقوا حتى كادت نفوسهم أن تزهق ، ثم دعاهم إلى الطلب بدمه ، فقام إليه أهل الشام فقالوا : هو ابن عمّك وأنت وليّه ، ونحن الطالبون معك بدمه ، فبايعوه أميراً عليهم ، وكتب ، وبعث الرسل إلى كور الشام ، وكتب إلى شُرحبيل بن السمط الكندي وهو بحمص ، يأمره أن يبايع له بحمص كما بايع أهل الشام ، فلمّا قرأ شُرحبيل كتاب معاوية ، دعا أُناساً من أشراف أهل حمص ، فقال لهم : ليس من قتل عثمان بأعظم جرماً ممّن يبايع لمعاوية أميراً ، وهذه سقطة ، ولكنّا نبايع له بالخلافة ، ولا نطلب بدم عثمان مع غير خليفة ، فبايع لمعاوية بالخلافة هو وأهل حمص ، ثم كتب إلى معاوية : أمّا بعد : فإنّك أخطأت خطأ عظيماً حين كتبت إليّ أن أُبايع لك بالإمرة ، وأنّك تريد أن تطلب بدم الخليفة المظلوم وأنت غير خليفة ، وقد بايعت ومن قبلي لك بالخلافة.
فلمّا قرأ معاوية كتابه سرّه ذلك ، ودعا الناس ، وصعد المنبر وأخبرهم بما قال شُرحبيل ، ودعاهم إلى بيعته بالخلافة ، فأجابوه ولم يختلف منهم أحد ، فلمّا بايع القوم له بالخلافة ، واستقام له الأمر ، كتب إلى عليّ (١).
وفي حديث عثمان بن عبيد الله الجرجاني قال :
بويع معاوية على الخلافة ، فبايعه الناس على كتاب الله وسنّة نبيّه ، فأقبل مالك ابن هبيرة الكندي ـ وهو يومئذٍ رجل من أهل الشام ـ فقام خطيباً ، وكان غائباً من
__________________
(١) الإمامة والسياسة : ١ / ٦٩ ، ٧٠ [١ / ٧٤]. (المؤلف)