وكتب إليه عليهالسلام يسأله إقراره على الشام ، فكتب إليه عليّ عليهالسلام :
«أمّا بعد : فإنّ الدنيا حُلوة خضرة ، ذات زينة وبهجة ، لم يصبُ إليها أحد إلاّ شغلته بزينتها عمّا هو أنفع له منها ، وبالآخرة أُمرنا ، وعليها حُثثنا ، فدع يا معاوية ما يفنى ، واعمل لما يبقى ، واحذر الموت الذي إليه مصيرك ، والحساب الذي إليه عاقبتك ، واعلم أنّ الله تعالى إذا أراد بعبد خيراً حال بينه وبين ما يكره ، ووفّقه لطاعته ، وإذا أراد بعبد سوءاً أغراه بالدنيا وأنساه الآخرة ، وبسط له أمله ، وعاقه عمّا فيه صلاحه ، وقد وصلني كتابك فوجدتك ترمي غير غرضك ، وتنشد غير ضالّتك ، وتخبط في عماية ، وتتيه في ضلالة ، وتعتصم بغير حجّة ، وتلوذ بأضعف شبهة.
فأمّا سؤالك المتاركة والإقرار لك على الشام ، فلو كنت فاعلاً ذلك اليوم لفعلته أمس ، وأمّا قولك : إنّ عمر ولاّكه فقد عزل من كان ولاّه صاحبه (١) ، وعزل عثمان من كان عمر ولاّه (٢) ، ولم يُنصب للناس إمام إلاّ ليرى من صلاح الأُمّة ما قد كان ظهر لمن قبله أو أُخفي عنه عيبُه ، والأمر يحدث بعده الأمر ، ولكلّ والٍ رأي واجتهاد» (٣).
وكتب الرجل إليه صلىاللهعليهوآلهوسلم ثانية ـ قبل ليلة الهرير بيومين أو ثلاثة ـ يسأله إقراره على الشام ، وذلك أنّ عليّا عليهالسلام قال : «لأُناجزنّهم مصبحاً». وتناقل الناس كلمته ، ففزع أهل الشام لذلك ، فقال معاوية : قد رأيت أن أُعاود عليّا وأسأله إقراري على الشام ، فقد كنت كتبت إليه ذلك فلم يجب إليه (٤) ، ولأكتبنّ ثانية ، فأُلقي في نفسه الشكّ والرقّة ، فكتب إليه :
__________________
(١) يريد خالد بن الوليد : كان ولاّه أبو بكر فعزله عمر. (المؤلف)
(٢) عزل عثمان عمال عمر كلّهم غير معاوية. (المؤلف)
(٣) نهج البلاغة : ٢ / ٤٤ [ص ٤١٠ كتاب ٣٧] ، شرح ابن أبي الحديد : ٤ / ٥٧ [١٦ / ١٥٣ كتاب ٣٧]. (المؤلف)
(٤) كذب الرجل وقد أجابه الإمام عليهالسلام بما سمعت ، غير أنّه كتمه على أصحابه خوفاً من أن يهتدي به بعض إلى الحق ويفارق الباطل. (المؤلف) [الظاهر أنّ قصد معاوية من هذه العبارة أنّ أمير المؤمنين لم يوافقه على طلبه البقاء أميراً على الشام].