أمّا بعد : فإنّك لو علمت وعلمنا أنّ الحرب تبلغ بنا وبك ما بلغت ، لم يجنِها بعضنا على بعض ، ولئن كنّا قد غُلبنا على عقولنا ، لقد بقي لنا منها ما نندم به على ما مضى ، ونصلح به ما بقي ، وقد كنت سألتك الشام على أن لا تلزمني لك بيعة وطاعة ، فأبيت ذلك عليّ ، فأعطاني الله ما منعت ، وأنا أدعوك اليوم إلى ما دعوتك إليه أمس ، فإنّي لا أرجو من البقاء إلاّ ما ترجو ، ولا أخاف من الفناء إلاّ ما تخاف ، وقد والله رقّت الأجناد ، وذهبت الرجال ، ونحن بنو عبد مناف ليس لبعضنا على بعض فضل إلاّ فضل لا يُستذلّ به عزيز ، ولا يسترقّ به حرّ ، والسلام.
فأجابه عليّ عليهالسلام :
«أمّا بعد فقد جاءني كتابك تذكر أنّك لو علمت وعلمنا أنّ الحرب تبلغ بنا وبك [ما بلغت] (١) لم يجنها بعضنا على بعض ، فإنّي لو قُتلت في ذات الله وحييت ، ثم قُتلت ثم حييت سبعين مرّة لم أرجع عن الشدّة في ذات الله ، والجهاد لأعداء الله ، وأمّا قولك : إنّه قد بقي من عقولنا ما نندم على ما مضى فإنّي ما تنقّصت عقلي ، ولا ندمت على فعلي ، وأمّا طلبك إليّ الشام فإنّي لم أكن لأُعطيك اليوم ما منعتك أمس ، وأمّا قولك : إنّ الحرب قد أكلت [العرب] (٢) إلاّ حُشاشات أنفس بقيت ، ألا ومن أكله الحقّ فإلى الجنّة ، ومن أكله الباطل فإلى النار» الكتاب (٣).
وكتب معاوية إلى ابن عبّاس :
أمّا بعد : فإنّكم معشر بني هاشم لستم إلى أحد أسرع منكم بالمساءة إلى أنصار ابن عفّان حتى أنّكم قتلتم طلحة والزبير لطلبهما بدمه ، واستعظامهما ما نيل
__________________
(١) الزيادة من شرح النهج.
(٢) الزيادة من النهج.
(٣) الإمامة والسياسة : ١ / ٨٨ وفي طبعة ٩٥ [١ / ١٠٣] ، كتاب صفّين : ص ٥٣٨ [ص ٤٧٠] ، مروج الذهب : ٢ / ٦٠ ، ٦١ [٣ / ٢٣] ، نهج البلاغة : ٢ / ١٢ [ص ٣٧٤ كتاب ١٧] ، شرح ابن أبي الحديد : ٣ / ٤٢٤ [١٥ / ١٢٣ كتاب ١٧]. (المؤلف)