قال الأميني : هذه كلمات تامّات ممّن كانوا يرون معاوية ويشهدون أعماله ، وقد عرفوا نفسيّاته ومغازيه منذ عرفوه وثنيّاً ومستسلماً حتى وقفوا عليه من كثب ، وقد تعالى به الوقت بل تسافل حتى طفق يطمع مثله في الخلافة الإسلاميّة ، وبينهما ذاك البون الشاسع ، وخلال الفضائل التي تخلّى عنها ، والملكات الرذيلة الذي حاز شية عارها والبرهنة الناصعة التي أكفأته عنها بخفّي حُنين ، وهؤلاء وإن اختلفت كلماتهم لكنّها ترمي إلى مغزى واحد من عدم كفاءة الطاغية لما يرومه من إمرة المسلمين ، أو ما يتحرّاه من حكومة الشام ، خلافة مختزلة عن الخلافة الإسلاميّة الكبرى المنعقدة لأهلها يومئذ ، أو أنّه لا يتحرّى إلاّ إمرة مغتصبة ، وما لها من مفعول أثرة وثراء ، أو أنّه منبعث عن ضغائن وإحن ممّا أصاب أهله وذويه من الإمام عليهالسلام ، فقتّلوا تقتيلا تحت راية الأوثان ، وظهر أمر الله وهم كارهون.
ولم يكن لمعاوية وأصحابه مرمى غير الإسفاف إلى هذه الهوّات السحيقة ممّا خفي على هؤلاء الحضور ، واستكشفه من بعدهم المهملجون وراء الحزب السفياني ، الحاملون ولاء ذلك البيت الساقط ، وأنت ترى أنّه لا يُقام في سوق الدين لشيء منها أيّ قيمة ، ولا تكون لها أيّ عبرة ، فدحضاً لدعوة الباطل ، وسحقاً لشرة الاستعباد.
وكان ابن هند الجاهل بنفسه ـ والإنسان على نفسه بصيرة ـ يرى نفسه أحقّ بالخلافة من عمر ، كما جاء في ما أخرجه البخاري في صحيحه (١) ، عن عبد الله بن عمر قال : دخلتُ على حفصة ونَسْواتها تنطف (٢) ، قلت : قد كان من أمر الناس ما ترين فلم يجعل لي من الأمر شيء. فقالت : الحق فإنّهم ينتظرونك وأخشى أن يكون في احتباسك عنهم فرقة. فلم تدعه حتى ذهب.
__________________
(١) في كتاب المغازي ، باب غزوة الخندق : ٦ / ١٤١ [٤ / ١٥٠٨ ح ٣٨٨٢]. (المؤلف)
(٢) نَسْواتها : ذوائبها. تنطف : تقطر ماءً.