العتق في الكفّارات ، وما أشبه ذلك. والضرب الثاني : ما يرجع إلى تحقيق مناط فيما تحقّق مناط حكمه ، فكأنّ المناط على قسمين : تحقيق عامّ ، وهو ما ذكر ، وتحقيق خاصّ من ذلك العامّ.
إنّما تحصل درجة الاجتهاد لمن اتّصف بوصفين : أحدهما فهم مقاصد الشريعة على كمالها. والثاني : التمكّن من الاستنباط بناء على فهمه فيها.
أمّا الأوّل : فقد مرّ في كتاب المقاصد أنّ الشريعة مبنيّة على اعتبار المصالح ، وأنّ المصالح إنّما اعتبرت من حيث وضعها الشارع كذلك ، لا من حيث إدراك المكلّف ، إذ المصالح تختلف عند ذلك بالنسب والإضافات ، واستقرّ بالاستقراء التام أنّ المصالح على ثلاث مراتب ، فإذا بلغ الإنسان مبلغاً فهم عن الشارع فيه قصده في كلّ مسألة من مسائل الشريعة ، وفي كلّ باب من أبوابها ، فقد حصل له وصف هو السبب في تنزّله منزلة الخليفة للنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم في التعليم ، والفتيا ، والحكم بما أراه الله.
وأمّا الثاني : فهو كالخادم للأوّل ، فإنّ التمكّن من ذلك إنّما هو بواسطة معارف محتاج إليها في فهم الشريعة أوّلاً ، ومن هنا كان خادماً للأوّل ، وفي استنباط الأحكام ثانياً ، لكن لا تظهر ثمرة الفهم إلاّ في الاستنباط فلذلك جعل شرطاً ثانياً ، وإنّما كان الأوّل هو السبب في بلوغ هذه المرتبة ، لأنّه المقصود والثاني وسيلة.
هذا هو الاجتهاد عند الأصوليّين ، وأمّا الفقهاء فهو عندهم مرتبة راقية من الفقه يقتدر بها الفقيه على ردّ الفرع إلى الأصل ، واستنباطه منه ، والتمكّن من دفع ما يعترض المقام من نقد وردّ ، وإبرام ونقض ، وشُبه وأوهام.
قال الآمدي في الإحكام (١) (١ / ٧) : الفقه في عرف المتشرّعين مخصوص بالعلم الحاصل بجملة من الأحكام الشرعيّة الفروعيّة بالنظر والاستدلال.
__________________
(١) الإحكام في أصول الأحكام : ١ / ٢٢.