رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، رفع رأسه [إليه] (١) مرّة أو مرّتين ، فقال : يا معاوية إن وليت أمراً فاتّق الله عزّ وجلّ واعدل. قال : فما زلت أظنّ أنّي مبتلى بعمل ، لقول رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم حتى ابتليت. المسند (٢) (٤ / ١٠١).
قال الأميني : إنّ من المأسوف عليه أنّ الرجل نسي هذه الوصيّة النبويّة في عهديه جميعاً من الإمارة والملك العضوض ، أو أنّه كان يذكرها غير أنّه لم يكترث لها ، فلم يدع شيئاً من مظاهر العدل والتقوى إلاّ وتركه ، ولا أمراً من موجبات الإثم والعدوان إلاّ وارتكبه ، وإنّ البحث لفي غنىّ عن سرد تلك المآثم والجرائم ، وقد كرّرنا بعضها في أجزاء هذا الكتاب ، وفي حيطة سعة الباحث الوقوف عليها كلّها.
فليته كان يذكر تلك الوصيّة الخالدة يوم تثبّط عن نصرة عثمان حتى أُودي به ، ويوم كاشف إمام الوقت أمير المؤمنين عليهالسلام بالحروب الطاحنة ، وجابه ولاية الله الكبرى بكلّ ما كان يسعه عناده ومكائده ، وناوأ الصحابة العدول بالقتل والتشريد ، واضطهد صلحاء الأُمّة بكلّ ما في حوله وطوله من إخافة ، وإرجاف ، وقتل ذريع ، وأخذ بالظنون والتهم ، أو كان من العدل والتقوى شيء من هذه؟ أو كان منهما بيع الخمر وشرابها وأكل الربا ، واستلحاق زياد بأبي سفيان ، واستخلاف يزيد؟ ولعلّك أعرف بيزيد من غيرك ، كما أنّ مستخلفه كان أعرف به من كلّ أحد.
ولعلّ من أظهر مصاديق عدله وتقواه دأبه على سبّ الإمام الطاهر ، ولعنه على صهوات المنابر ، وقنوته بذلك في صلواته ـ التي كانت تلعنه ـ وحمله الناس على ذلك بالحواضر الإسلاميّة وأوساطها طول حياته ، حتى كانت بدعة مخزية مستمرّة في العهد الأمويّ كلّه بعد أن اخترمته المنيّة.
وليتني كنت أدري أنّه ما ذا كان يفعله ممّا يخالف العدل والتّقوى لو لا وصيّة
__________________
(١) من المصدر.
(٢) مسند أحمد : ٥ / ٦٩ ح ١٦٤٨٦.