قال الأميني : لقد غلط معاوية في فهم الحديث على تقدير صحّته ، فإنّ الذي ذكر عبد الله بن عمرو أنّ ذلك الكائن ملك ، ولم ينصّ على أنّه خليفة ، وكم في الدهر بعد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم من ملوك من غير قريش ومن الجائز أن يكون ذلك الملك الموعود به من أصحاب الملك العضوض ، فما ردّه به معاوية من أنّ الذين يجب أن يكونوا من قريش هم الأئمّة الذين لا ينازعون في أمرهم ما أقاموا الدين ، فمعاوية ومن اهتدى مثاله ممّن لم يقيموا الدين بل ناوأوه وباينوه خارجون عنهم ، وهاهنا تسقط مطامع معاوية وأمانيّه التي أضلّته من انطباق الرواية عليه وعلى نظرائه وإن لم يكونوا قحطانيّين ، فأولى به من تحذّره عن تخلّف نسبة قحطان عنه أخذه الحذر عن موانع الخلافة التي لا تبارحه ، أو كانت الخلافة في الطلقاء؟ أو كانت في غير البدريّين؟ أو كان يشترط فيها فقدان العدل والتقوى في الخليفة؟ أو كان لآكلة الأكباد ورايتها نصيب من خلافة الله؟
وإن تعجب فعجب أنّ الرجل يعدّ عبد الله بن عمرو من الجهّال ، وهو الذي جاء فيه عن أبي هريرة أنّه أكثر الناس حديثاً من رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وكان يكتب الحديث ، وفي لفظ أبي عمر : أحفظ حديثاً. وقال : كان فاضلاً حافظاً عالماً ، قرأ الكتاب واستأذن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم في أن يكتب حديثه فأذن له ، وهو الذي أثنى عليه ابن حجر بغزارة العلم والاجتهاد في العبادة (١).
نعم ؛ يقع معاوية في الرجل كمن ملأ إهابه علماً ، وشحن الطروس والسطور فقهاً وحديثاً ، ذهولاً منه عن أنّ الأُمّة المنقّبة حفظت عليه حديث عبادة بن الصامت من قوله له : إنّ أُمّك هند أعلم منك (٢).
__________________
(١) الاستيعاب : ١ / ٣٠٧ [القسم الثالث / ٩٥٧ رقم ١٦١٨] ، أُسد الغابة : ٣ / ٢٣٣ [٣ / ٣٤٩ رقم ٣٠٩٠] ، الإصابة : ٢ / ٣٥٢ [رقم ٤٨٤٧] ، تهذيب التهذيب : ٥ / ٣٣٧ [٥ / ٢٩٤]. (المؤلف)
(٢) تاريخ ابن عساكر : ٧ / ٢١٠ [٢٦ / ١٩٥ رقم ٣٠٧١ ، وفي مختصر تاريخ دمشق : ١١ / ٣٠٦]. (المؤلف)