ومنهم المنكر.
ومن جملة ما أفدت عليهم ، قلت : لا شك في أن النبيَّ صلىاللهعليهوآلهوسلم كان يعلم أن أمّته الجديدة القريبة العهد بالإسلام ، وما هي عليه من الرغبة في الخلافة ، ويعلم أنه سينقلب الكثير منهم على الأعقاب (١) ، ولا يسلم منهم إلاَّ مثل همل النعم (٢) عند ورودهم على الحوض ـ كما جاء في البخاري في حديث الحوض (٣) ، ويعلم علم اليقين أن أصحابه كانوا يضمرون الشرَّ لوصيِّه وخليفته من بعده علي عليهالسلام ، وأنهم فور موته يحدثون حدثاً.
إذن ، فلابد أن يكون قد وضع للخلافة حلاًّ لها ، يوقف من تدعوه نفسه إلى الخلافة ، ولا يخفى عليه أمر أصحابه ، إذ أنه قد سبرهم ، وعرف المستقيم منهم والملتوي ، وهو القائل لهم : ستتبعون سنن من قبلكم شبراً بشبر ، وذراعاً بذراع ، حتى لو دخلوا جحر ضبّ لدخلتموه (٤) ، وكان شيخنا العلامة الشيخ ( أحمد أفندي الطويل الأنطاكي ) يرويه لنا في أثناء الدرس ، وعلى المنبر ، ويقول في ختام الحديث : ولو جامع أحدهم امرأته في السوق لفعلتموه!! وهو القائل : من
__________________
١ ـ قال تعالى في سورة آل عمران ، الآية : ١٤٤ : ( وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ ).
٢ ـ قال ابن الأثير في النهاية : ٥ / ٢٧٤ : في حديث الحوض : ( فلا يخلص منهم إلاَّ مثل همل النعم ) الهمل : ضوالّ الإبل ، واحدها هامل ; أي إن الناجي منهم قليل في قلّة النعم الضالّة.
٣ ـ صحيح البخاري : ٧ / ٢٠٨ ـ ٢٠٩.
٤ ـ صحيح البخاري : ٤ / ١٤٤ ـ ١٤٥ و ٨ / ١٥١ ، صحيح مسلم : ٨ / ٥٧ ، صحيح ابن حبان : ١٥ / ٩٥ ، مسند أحمد بن حنبل : ٢ / ٣٢٧ و ٥١١ ، المستدرك ، الحاكم : ٤ / ٤٥٥ ، مجمع الزوائد ، الهيثمي : ٧ / ٢٦١.