فهل تجدون لعليٍّ عليهالسلام أكثر من هذين الخطأين المزعومين ، وكلُّها لا تعدو الآراء السياسيّة التي يختلف فيها الناس ، فتظهر للبعض بأنها خطأ ، وتظهر للبعض الآخر بأنها عين الصواب ، وهي من باب قول الله سبحانه وتعالى : ( عَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ ) (١).
هذا على افتراض أن علياً عليهالسلام شخص عاديٌّ ، ليست له ميزة ولا علم ..
إلى أن قال : وإذا كان الأمر كما تقول ـ يا شيخ علي ـ فلماذا لا تلتمس عذراً لإبليس لعنه الله الذي اجتهد في قوله : ( أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّار وَخَلَقْتَهُ مِن طِين ) (٢)؟ فاجتهاده أو صله إلى نتيجة أن النار هي خير من الطين ، أو كما قال بعض المتصوِّفة : إن إبليس هو أكبر الموحِّدين ; لأن اجتهاده منعه أن يسجد لغير الله تعالى.
ألا ترى معي أن الموازين كذلك المقاييس العقليّة يجب أن تتوقَّف عن الاجتهاد عند صدور الحكم الإلهيّ ، انظر إلى قوله تعالى : ( فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ * فَسَجَدَ الْمَلآئِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ * إِلاَّ إِبْلِيسَ ) (٣) ، فكل الملائكة قالوا : سمعاً وطاعة ، ولم يجتهدوا بآرائهم في هذا الحكم الصادر من الخالق إلى المخلوق ، إلاَّ إبليس أبى أن يكون من الساجدين ، لماذا؟ لأنه اجتهد برأيه مقابل هذا الحكم الإلهيِّ ، فرأى أنّه أفضل من آدم ، فعصى وتمرَّد.
وإذا كان الأمر كذلك فكلُّ المجرمين والفاسقين مأجورون على
__________________
١ ـ سورة البقرة ، الآية : ٢١٦.
٢ ـ سورة الأعراف ، الآية : ١٢.
٣ ـ سورة الحجر : ٢٩ ـ ٣١.