الفرع إلى الأصل إذا اشتركت العلّة بين الأصل والفرع ، وكما هو واضح أن الحكم يدور مدار العلّة وجوداً وعدماً ، ولكن الإشكال كيف تكشف علّة الحكم؟
فإذا كانت العلّة منصوصاً عليها من قبل الشارع نفسه ، فمثلا يقول : إنّ الخمر حرام لأنه مُسكر ، فيمكن أن أقيس النبيذ على الخمر إذا كان النبيذ مسكراً ، فأقول : الخمر حرام لأنه مسكر ، والنبيذ مسكر ، إذن النبيذ حرام ، هذا لا إشكال فيه ، رغم أن هذا نفسه لا يسمّى قياساً ; بمعنى أننا لم نقس حكم النبيذ على حكم الخمر ، وإنما اكتشفنا حكم النبيذ من النص مباشرةً ، أي أنّ الخمر والنّبيذ كلاهما يرجعان إلى نصّ واحد ، وهو أنّ كل مسكر حرام.
أمَّا إذا لم تكن العلّة منصوصاً عليها من قبل الشارع فكيف لنا معرفتها؟ فكل ما نتوقَّعه لا يخرج عن إطار الظنّيّة ، ولعل الشارع لم يرتِّب الحكم على هذه العلّة التي اكتشفناها ، وإنما لعلّة أخرى باطنيّة ، مثلا : في حكم الصيام في السفر يقول الشارع : ( وَمَن كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَر فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّام أُخَرَ ) (١) ، فالظاهر من هذه الآية هو عدم الصيام في حالة السفر ، فيقول مجتهد : إن العلّة من عدم الصيام في السفر هو الإرهاق والتعب ، وخاصة أنّ السفر في القديم كان عبر الدوابِّ ، والآن اختلف الوضع ، وأصبح السفر مريحاً ، فارتفعت العلّة التي تمنع الصيام في السفر ، فيرتفع معها الحكم ، وعلى هذا الاجتهاد كثير من المسلمين يصومون في حالة السفر ، فهذه مخالفة للنصِّ ، من الذي يقول : إنّ العلة هي التّعب؟ هل الشارع نصَّ على ذلك؟! وإن لم ينصَّ فتكون هذه العلّة ظنّيّة ، لا يعوَّل عليها في استخراج الحكم ، وإنما الآية في مقام التشريع ; فكما أنّ الله شرَّع الصيام في شهر
__________________
١ ـ سورة البقرة ، الآية : ١٨٥.