فإن إجماع الصحابة على خلافة أبي بكر لا يخلو من إشكال ; لأنّ القدر المتيقّن من حجّيّة الإجماع هو الإجماع غير المخروق ; أي الإجماع الذي لم يخالفه مخالف ، وهذا غير متحقّق.
قلت : إنّ الإجماع ينعقد برؤوس القوم وزعمائهم ، وهذا متحقِّق ، ولا عبرة بغيرهم.
خالي : إنّ الذين تخلَّفوا عن بيعة أبي بكر لم يكونوا من صغار القوم كما زعمت ، بل هم أعاظم الصحابة (١) ، وإليك منهم على سبيل المثال لا الحصر :
__________________
١ ـ قال اليعقوبي في تأريخه : ٢ / ١٢٤ في الأحداث التي جرت بعدما بويع لأبي بكر : وجاء البراء بن عازب ، فضرب الباب على بني هاشم وقال : يا معشر بني هاشم! بويع أبو بكر ، فقال بعضهم : ما كان المسلمون يحدثون حدثاً نغيب عنه ، ونحن أولى بمحمّد ، فقال العباس : فعلوها وربِّ الكعبة.
وكان المهاجرون والأنصار لا يشكّون في عليٍّ ، فلمَّا خرجوا من الدار قام الفضل بن العباس ـ وكان لسان قريش ـ فقال : يا معشر قريش! إنه ما حقَّت لكم الخلافة بالتمويه ، ونحن أهلها دونكم ، وصاحبنا أولى بها منكم. وقام عتبة بن أبي لهب فقال :
ما كنت أحسب أن
الأمر منصرف |
|
عن هاشم ثم منها
عن أبي الحسن |
عن أوَّل الناس
إيماناً وسابقة |
|
وأعلم الناس
بالقرآن والسنن |
وآخر الناس عهداً
بالنبيِّ ومن |
|
جبريل عون له في
الغسل والكفن |
من فيه ما فيهم لا
يمترون به |
|
وليس في القوم ما
فيه من الحسن |
وتخلَّف عن بيعة أبي بكر قوم من المهاجرين والأنصار ، ومالوا مع علي بن أبي طالب ، منهم : العباس بن عبد المطلب ، والفضل بن العباس ، والزبير بن العوام بن العاص ، وخالد بن سعيد ، والمقداد ابن عمرو ، وسلمان الفارسي ، وأبو ذر الغفاري ، وعمّار بن ياسر ، والبراء بن عازب ، وأبي بن كعب.
فأرسل أبو بكر إلى عمر بن الخطاب وأبي عبيدة بن الجراح والمغيرة بن شعبة ، فقال : ما الرأي؟ قالوا : الرأي أن تلقى العباس بن عبد المطلب ، فتجعل له في هذا الأمر نصيباً يكون له ولعقبه من بعده ، فتقطعون به ناحية علي بن أبي طالب حجة لكم على علي ، إذا مال معكم ، فانطلق أبو بكر وعمر وأبو عبيدة بن الجراح والمغيرة حتى دخلوا على العباس ليلا ، فحمد أبو بكر الله وأثنى عليه ، إلى أن قال :