[فإن قلت] : فلم جاز : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً)(١) و (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً)(٢) ، وقد فصلت بين (إن) واسمها بالأجنبي ، وهو اللام؟
[قلت] : اللام ، لما لم يكن محدثا لمعنى ، لم يكن الفصل به ، فصلا ، لأن معنى اللام معنى إنّ. فكأنك كررت (إن). فاللام يختص ب (إن) دون سائر الحروف.
[فإن قلت] : فقد جاء عن ابن جبير (٣) : (إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ)(٤) بفتح (أن) (٥).
[قلت] : اللام عندنا في هذه القراءة ، محمولة على الزيادة ، إذ لا يصح الجمع بين أنّ المفتوحة ، ولام التأكيد ، كما قدّرنا في (إن). ألا ترى أن (أن) المفتوحة ، لا يقع الابتداء بها. وهذه اللام إذا دخلت في موضع كانت (أن) فيه مفتوحة أوجبت اللام كسرها. تقول : ظننت أن زيدا منطلق ، فتفتح (أن). فإذا جئت باللام ، كسرت ، فقلت : ظننت إنّ زيدا لمنطلق. لأن التقدير فيه : ظننت لإنّ زيدا منطلق. وأنت إذا قلت : ظننت لزيد في الدار ، لم تعمل ظننت في زيد ، وإنما اللام تعلّق الظن عن أن يعمل في اللفظ. أو يكون ظننت جاريا [٤٩ / ب] مجرى القسم ، كما جرى علمت مجراه حين قال : (وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَراهُ)(٦) وقال [الشاعر] :
١١٩ ـ ولقد علمت. لتأتينّ منيّتي |
|
... (٧) |
فقوله : (وَظَنُّوا ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ)(٨) : (ظَنُّوا) تجري فيه مجرى (أَقِيمُوا) ، وقوله : (ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ) : جواب (أقسموا). والجملة تجري مجرى القسم. وهذا عند من لا يقف على : (ظَنُّوا) بل وصل. فأما من وقف ، وهو سهل (٩) والأنباري (١٠) ، وابتدءا ، وقالا : (ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ) وكأن
__________________
(١) ٧٩ : سورة النازعات ٢٦.
(٢) ١٥ : سورة الحجر ٧٧. وغيرها.
(٣) هو سعيد بن جبير بن هشام الأسدي (ت ٩٥ ه ، وقيل ٩٤ ه). عرض على عبد الله بن عباس ، عرض عليه أبو عمرو بن العلاء ، والمنهال بن عمرو. ينظر : غاية النهاية ١ : ٣٠٥ ، ٣٠٦.
(٤) ٢٥ : سورة الفرقان ٢٠.
(٥) ينظر : ص ٤٨ ، هامش (٥).
(٦) ٢ : سورة البقرة ١٠٢.
(٧) البيت من الكامل ، للبيد بن ربيعة العامري ، وعجزه :
... |
|
إن المنايا لا تطيش سهامها |
وهو في ديوانه ١٧١ ، وفيه :
صادفن منها غرة فاصبنها |
|
... |
والكتاب ٣ : ١١٠ ، والتحصيل ٤٢١ ، والخزانة ٩ : ١٥٩ ، ١٦٠ ، ١٦١.
وبلا نسبة في : الجمل ١ : ١٥٨ ، والمغني ٢ : ٤٠١ ، ٤٠٧ ، وشرح شذور الذهب ٣٦٥ ، وأوضح المسالك ٢١٦ ، وقطر الندى ١٧٦ ، وشفاء العليل ١ : ٣٩٩.
(٨) ٤١ : سورة فصلت ٤٨.
(٩) هو : سهل بن محمد ، أبو حاتم السجستاني (ت ٢٥٥ ه). عرض على يعقوب الحضرمي ، ويقال عرض على سلام الطويل ، وأيوب بن المتوكل. روى القراءة عنه : محمد بن سليمان المعروف بالزردقي ، وأبو سعيد العسكري النفاط ، وأبو بكر بن دريد ، وآخرون. كان حسن العلم بالعروض ، وإخراج المعمى ، وقول الشعر الجيد.
ينظر : غاية النهاية ١ : ٣٢٠ ، ٣٢١ ، ونزهة الألباء ١٤٥ ـ ١٤٨.
(١٠) هو : محمد بن القاسم بن محمد ، أبو بكر بن الأنباري ، البغدادي (ت ٣٢٨ ه). روى القراءة عن أبيه :