المعنى عنده : (وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَدْعُونَ مِنْ قَبْلُ وَظَنُّوا)(١) أي : ظنوا الظن ، وعملوا عليه ، ولم يعملوا بالدليل ، ولا بما أخبرهم الرسول ، فما لهم من محيص في الآخرة. فاللام في قراءة ابن جبير زائدة ، وتختص هي ب (إنّ) لأن (أنّ) لا يبتدأ به. ولهذا قال : عندي أنك منطلق ، ارتفع (أن) بالظرف ، دون الابتداء ، كما يرتفع زيد ، إذا قلت : عندي زيد ، بالابتداء ، لأن (أن) يكسر في الابتداء. فلما فتح ، وقيل : عندي أنك منطلق ، [كقول الشاعر] :
١٢٠ ـ أحقّا أنّ جيرتنا استقلّوا |
|
فنيّتنا ، ونيّتهم فريق (٢) |
رفع بالظرف ، ولم يحمله على الابتداء ، لأنه يجب كسره في الابتداء.
و (إنّ) هذه ، تخفف فتلزمه هذه اللام ، حينئذ ، سواء دخلت على الاسم ، أو الفعل ، لأنها إذا خففت ، جاز دخولها على الفعل ، لزوال شبه لفظها بالفعل ، لأنها لما كانت مثقلة ، لم تدخل على الفعل ، لأن الفعل لا يلي الفعل. فقوله : (وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ)(٣). وقوله : (وَإِنْ كانُوا لَيَقُولُونَ) (١٦٧) (٤)(وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ)(٥)(وَإِنْ وَجَدْنا أَكْثَرَهُمْ لَفاسِقِينَ)(٦) : (إِنْ كُنَّا عَنْ عِبادَتِكُمْ لَغافِلِينَ)(٧). اللام في هذه المواضع ، لا بد منها ، لأن إسقاطها يؤدي إلى اشتباه (إن) التي بمعنى (إنّ) ب (إن) التي معناها : النفي في قوله : (إِنْ كُنَّا فاعِلِينَ)(٨) و (إِنِ الْكافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ)(٩).
وقول من قال في هذه الآي : إن (إن) بمعنى (ما) وإن اللام بمعنى إلا ، لو طولب بإقامة دليل على مجيء اللام بمعنى (إلا) لم يمكنه أن يري ذلك. فقوله قول فاسد ، ودعواه مضمحلة.
__________________
القاسم بن محمد ، وإسماعيل بن إسحاق القاضي ، والحسن بن الحباب ، وآخرين. روى القراءة عنه : عبد الواحد بن أبي هاشم ، وأبو الفتح بن بدهن ، وأحمد بن نصر ، وآخرون. له كتاب : (الوقف والابتداء) ، و (المشكل وغريب الحديث) ، و : (شرح المفضليات) ، وغيرها. ينظر : غاية النهاية ٢ : ٢٣٠ ـ ٢٣٢ ، ونزهة الألباء ١٩٧ ـ ٢٠٤.
(١) ٤١ : سورة فصلت ٤٨.
(٢) البيت من الوافر ، للعبدي في : الكتاب ٣ : ١٣٦ ، وشرح اللمع ـ لابن برهان ١ : ٨٢ ، ولرجل من عبد القيس في : التحصيل ٤٣٠ ، وللمفضل النكري ، في : الأصمعيات ٢٠٠ ، وفيها :
ألم تر أن جيرتنا استقلوا |
|
... |
وعلى هذه الرواية فلا شاهد فيه.
وبلا نسبة في : الجمل ١ : ٤٢١ ، واللسان (فرق) ١٠ : ٣٠١.
(٣) ١١ : سورة هود ١١١ ، وقراءة (أن) مخففة ، هي قراءة : نافع ، وابن كثير ، وعاصم ، وشعبة ، وابن محيصن.
معاني القرآن ـ للفراء ٢ : ٢٨ ، وتفسير الطبري ١٢ : ١١٤ ، والسبعة ٣٣٩ ، وحجة القراءات ٣٥٠ ، ٣٥٢ ، وإعراب القرآن ـ للنحاس ٢ : ١١٤ ، والتيسير ١٢٦ ، وتفسير التبيان ٦ : ٧٣ ، والكشاف ٢ : ٢٩٥ ، ومجمع البيان ٥ : ١٩٦ ، وتفسير الرازي ١٨ : ٧١ ، وتفسير القرطبي ٩ : ١٠٤ ، والبحر المحيط ٥ : ٢٦٦ ، والنشر ٢ : ٢٩٠ ، ٢٩١ ، وإتحاف الفضلاء ٢٦٠ ، وغيث النفع ١٧٠.
(٤) ٣٧ : سورة الصافات ١٦٧.
(٥) ٢ : سورة البقرة ١٩٨.
(٦) ٧ : سورة الأعراف ١٠٢.
(٧) ١٠ : سورة يونس ٢٩.
(٨) ٢١ : سورة الأنبياء ١٧.
(٩) ٦٧ : سورة الملك ٢٠.