[فإن قلت] : فقد جاء في قراءة ابن جبير : (إن الذين تدعون من دون الله عبادا أمثالكم) (١) بتخفيف (إنّ) ونصب [٥٠ / أ] (عباد) (٢) فمن أي الحزبين؟! أهي : إنّ ، خففت ، كما خففت (أنّ) في [قول الأعشى] :
١٢١ ـ في فتية كسيوف الهند قد علموا |
|
أن هالك كلّ من يحفى ، وينتعل (٣) |
فإن كان كذلك ، فأين اللام؟ وما الناصب لعباد؟ وأين العائد إلى الموصول؟. وإن كانت الأخرى التي بمعنى (ما) فأين (إلا)؟ وما معنى الكلام؟ وهل يصح قول أبي الفتح ، أنه شبه (إن) ب (ما) فأعمل في الذين ، ونصب به عبادا؟
[قلت] : إن قول أبي الفتح ، لا يصح ، وذلك ، لأنه يقول ، إنه شبه (إن) التي للتحقيق ، ب (ما) التي للنفي فأعملها معاملة (ما) ، لأن (إن) أيضا ، تجيء بمعنى (ما). فلما كان اللفظ كاللفظ يعني لفظة (إن) التي للتحقيق كلفظة (إن) التي للنفي و (إن) التي للنفي تشبه (ما) ، رفع ب (إن) التي للتحقيق ، الاسم ، وهو : (الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) ونصب به (عبادا أمثالكم) كما تقول : ما الذين تدعون من دون الله عبادا أمثالكم. هذا كلامه. ولو كانت صحبته مع الشيخ (٤) ، كما يدعيه ، وأنه لم يفهم أحد كلام الشيخ ، فهمه ، وأنه أقام معه أربعين سنة ، فلم يفهموا من قوله ، في قولهم : (هذا حلو حامض) أن الضمير كيف يعود من الاسمين إلى المبتدأ ، كما فهمه ، وأنّ معنى قول الشيخ : يعود من الاسمين إلى الأول. أي : من مجموعهما ، لا من كل واحد منهما. فإن تأثير الصحبة في هذه الآية لم يظهر ، لأن الشيخ ، رحمه الله ، ورضي عنه ، ذكر في الآية وجهين.
فأين منهما أبو الفتح ، ولم يفهمهما؟!.
قال : إنّ (إن) مخففة من الثقيلة. و (الَّذِينَ تَدْعُونَ) نصب ، اسمه على قراءة من قرأ : (وإن كلّا). والعائد إلى الموصول ، محذوف. والتقدير : إنّ الذين تدعونهم. وقوله : (عبادا أمثالكم) : منصوب على البدل ، من الضمير العائد إلى الذين من الصلة. أو يكون حالا منه ، فهذا وجه نصب (عباد).
فأما خبر (إنّ) فيكون كقوله : (فَإِنَّ ذلِكَ)(٥) فكما لم يقل كذلك ، لم يقل هاهنا (مخلوقون).
قال : وإن شئت يكون الخبر : فادعوهم ، لما يتعقبه من قوله : (فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ) لأن الشي قد يكون
__________________
(١) ٧ : سورة الأعراف ١٩٤.
(٢) إعراب القرآن ـ للنحاس ١ : ٦٥٧ ، ومختصر شواذ القرآن ٤٨ ، والمحتسب ١ : ٢٧٠ ، والكشاف ٢ : ١١٠ ، وتفسير القرطبي ٧ : ٣٤٢.
(٣) البيت من البسيط ، للأعشى. ديوانه ٥٩ ، وفيه :
إما ترينا حفاة لا نعال لنا |
|
إنا كذلك ما نحفى وننتعل |
والكتاب ٢ : ١٣٧ ، ٣ : ٧٤ ، ٤٥٤ ، والتحصيل ٢٨٢ ، ٤١٠ ، والخصائص ٢ : ٤٤١ ، والإنصاف ١ : ١٩٩ ، وشفاء العليل ١ : ٣٧١ ، والخزانة ٥ : ٤٢٦ ، ٨ : ٣٩٠ ، ١٠ : ٣٩١ ، ٣٩٣ ، ١١ : ٣٥٤.
وبلا نسبة في : المقتضب ٣ : ٩ ، وابن يعيش ٨ : ٧١.
(٤) يعني : أبا علي الفارسي ، لأن ابن جني صحبه أربعين سنة. ينظر : نزهة الألباء ٢٤٥.
(٥) هذا جزء من حديث النبي ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ سبق تخريجه ص ١١٠.