يجز ، لأنك عديت المضمر إلى الظاهر. وأجمعوا على أنه لا يجوز : زيدا ضرب. أي : ضرب هو نفسه ، لأنك عديت المضمر إلى الظاهر. وهذا الظاهر فضلة في الكلام ، لأنه مفعول فيصير المفعول الذي هو الفضلة ، بما يعود إليه من الضمير ، بمنزلة ما لا بد منه من عود الضمير إليه ، إذ لا بد للضمير من عوده إلى مذكور. وهذا خلاف موضوع الفعل ، فلم يجز : أخويك ظنا منطلقين. وجاز أخواك ظناهما منطلقين. وجاز : ظنّهما أخواك منطلقين. وهذا كله مستفاد من قوله تعالى : (فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفازَةٍ)(١) ، وقوله : (أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى). وأما قولهم : زيدا لم يضربه إلا هو ، فإنه يجوز بالنصب ، ولا يجوز بالرفع ، لأن النصب محمول على الهاء. وكأنك قلت : لم يضرب زيدا إلا هو. ويجوز : ما ضربني إلا أنا ، وما ضربك إلا أنت. ولو رفعت زيدا حملته على (هو).
وكأنك قلت : زيد لم يضربه. فيكون في (يضربه) ضمير يعود إلى زيد ، هو الفاعل. وقد ذكرنا أنّ هذا من خواص هذا الباب ، وأنه لا يجوز : زيد ضربه ، ولا : زيدا ضرب. وجاز : زيد ظنّه منطلقا ، لقوله تعالى : (أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى). هكذا ذكره الأخفش ، بعد كلامه في أول الباب. ثم قال [فإن قلت] : فأنت تقول : الخوان أكل عليه اللّحم ، وأنت لو قلت : الخوان أكل اللّحم ، لم يجز.
[قلت] : هذا جائز ، لأنه قد يكون من الأفعال ما لا يتعدى بحرف الجر ، فيجوز أن يقدّر فعل لا يقتضي الجار. ألا ترى أنك ، إذا قلت : زيدا مررت به ، قدرت : لقيت زيدا ، أو جزت زيدا. فكذا هاهنا : الخوان ألزمه اللّحم. وليس كذلك : زيد لم يضربه إلا هو ، بالرفع. ليس له وجه إلا الحمل على (هو) الذي بعد (إلا). وليس إلى ذلك طريق إلا بعد إسقاطه من الكلام ، على ما قدمنا فهذه ما تختص بهذا الباب ، ولا يشاركه فيه غيره ، وإنما جاز : ظننتني ذاهبا ، ولم يجز : ضربتني ، لأن هذه الأفعال ، ليس لها تأثير في المفعول [٦٤ / أ] الأول ، وإنما المقصود : المفعول الثاني ، أعني : المقصود بالفائدة. فلم يبالوا في المفعول الأول ، أيّ شيء كان : ضمير الفاعل ، أم غيره.
وفي سائر الأبواب ، لا بد أن يكون المفعول غير الفاعل ، ليتبين تأثيره فيه. ومع ذلك ، فقد جاز : ضربت نفسي ، لأنك ، لما أظهرت نفسه ، صار كالأجنبي ، لأنه ظاهر مخالف للمضمر ، فيتصوّر فيه ذلك ، بخلاف : ظننتني ، لأن كليهما مضمر لا يتصور فيه ذلك المعنى ، فافترق الحال.
وزعم قوم أن هذا الباب ، لما أشبهت (إنّ) (لمّا) كان داخلا على المبتدأ ، والخبر ، جاز : ظننتني ذاهبا ، وظننتك منطلقا. كما جاز : (إنني) و (إنك) (٢). والأول أقيس ، وإن كان الفارس (٣) ، قد اعتمد على الثاني في التذكرة (٤). وتقول : ظننته زيدا قائما ، وظننت ذاك زيدا منطلقا ، وظننت الظنّ زيدا قائما ، ف (الهاء) و (ذاك) جميعا كناية عن المصدر الذي هو الظن. ويجوز أن تقول :
__________________
(١) ٣ : سورة آل عمران ١٨٨.
(٢) يعني : إنني منطلق ، وإنك منطلق.
(٣) أي : أبو علي الفارسي.
(٤) التذكرة : من كتب أبي علي الفارسي. ذكره القفطي في إنباه الرواة ١ : ٢٧٤.