بقوله : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ)(١) ، لا على الظرف ، ولكن بعد الاتساع فيه ، جازت الإضافة إليه.
وإذا كان ظرفا ، لم يجز أن تضيف إليه شيئا. لأنه إذا كان ظرفا ، كان فيه تقدير (في). و (في) يمنع من الإضافة. فوجب أن يكون (الليلة) من قولك :
يا سارق اللّيلة أهل الدار
خارجا من الظرف ، لتصح الإضافة إليه. فعلى هذا تقول : سرقت الليلة أهل الدار ثوبا.
فتنصب الليلة ، نصب المفعول به.
والموضع الثاني : باب الكناية : وذلك ، أنك إذا قلت : صمت اليوم. وقدّرت اليوم : مفعولا به ، بعد الاتساع [٦٧ / أ] ، ولم تقدر فيه : (في) ، ثم قدمت ، وكنيت عنه ، قلت : اليوم صمته. ولا تقول : اليوم صمت فيه ، إلا إذا كان باقيا على الظرفية. فمن ذلك قوله تعالى : (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ)(٢). فاستعمله استعمال المفعول به ، ولم يقل : فليصم فيه.
[فإن قلت] : فإنكم زعمتم أن الشهر في الآية : نصب على الظرف ، وأنّ مفعول (شهد) مضمر. وتقديره : فمن شهد منكم المصر في الشهر. فكيف جاء : فليصمه؟. [قلت] : ذلك جائز.
استعمل ظرفا ، ثم اتّسع فيه ، فاستعمل استعمال المفعول به. ومنه قوله تعالى : (وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً)(٣). ليس انتصاب يوم في الآية على الظرف ، وإنما هو مفعول به. والتقدير : واتقوا عقاب يوم. فحذف المضاف والجملة التي هي : لا تجزي نفس عن نفس شيئا ، في موضع الصفة لليوم. والتقدير : يوما لا تجزيه. فحذف العائد من الصفة إلى الموصوف. [قال الشاعر] :
١٦٨ ـ أبحت حمى تهامة ، بعد نجد |
|
وما شيء حميت ، بمستباح (٤) |
أي : حميته. [وقال الآخر] :
١٦٩ ـ فيوم علينا ، ويوم لنا |
|
ويوم نساء ، ويوم نسرّ (٥) |
أي : نساؤه ، ونسرّه. فحذف العائد من الصفة ، إلى الموصوف ، كما يحذف العائد من الصلة إلى الموصول في قوله : (أَهذَا الَّذِي بَعَثَ اللهُ رَسُولاً)(٦). أي : بعثه الله. لكن حذفها من الصلة أحسن من حذفها من الصفة. ثم حذفها من الصفة أحسن من حذفها من الخبر. فقوله : (أَهذَا الَّذِي بَعَثَ اللهُ رَسُولاً) أحسن من قوله : (لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً)(٧) ، في الحذف. وقوله : (لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً) ، أحسن في الحذف من قوله : (إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً)(٨) ،
__________________
(١) ٢ : سورة البقرة ١٨٣.
(٢) ٢ : سورة البقرة ١٨٥.
(٣) ٢ : سورة البقرة ٤٨.
(٤) البيت من الوافر ، لجرير ، في : ديوانه ٩٩ ، والكتاب ١ : ٨٧ ، ١٣٠ ، والتحصيل ١٠١.
(٥) البيت من المتقارب ، للنمر بن تولب ، في : ديوانه ٥٧ ، والكتاب ١ : ٨٦ ، والتحصيل ١٠٠ ، وحماسة البحتري ١٨٤ ، وشفاء العليل ١ : ٢٩٠ ، ٢ : ٧٥٢.
(٦) ٢٥ : سورة الفرقان ٤١.
(٧) ٢ : سورة البقرة ٤٨.
(٨) ١٨ : سورة الكهف ٣٠.