سأل عن العدد ، فجاء يومان ، على ذلك. وكذلك ، لو قيل : كم سير عليه؟. فقلت : الليل ، أو النهار ، أو الدهر ، أو الأبد ، صح. وكذلك لو قلت في جواب : كم سير عليه؟ : المحرم إلى ذي الحجّة ، صح كذلك. قال سيبويه (١) : لأنك ، إذا قلت في جوابه : المحرم ، كأنك قلت : ثلاثون يوما ، فصح. قال : ولو قلت في جواب : كم سير عليه؟. فتقول : شهر المحرم ، أو شهر رمضان ، لم يجز.
وإنما ذلك إذا قال : متى يسار عليه؟. فتقول : شهر المحرم. ففرّق بين إدخال شهر ، وبين إسقاطه.
وهذا من أشكل كتاب سيبويه. فقال قوم : هذه رواية عن العرب ، ولا فرق بين قولك : المحرم ، وبين قولك : شهر المحرم ، في المعنى. فإنما هذا مسموع عن العرب. قالوا في جواب : متى يسار عليه : شهر المحرم. وقالوا في جواب : كم سير عليه : المحرم. فننقل عنهم ، ونقول كما قالوا ، ولا نعقل معنى في ذلك.
وزعم قوم : أنّ هذا معنى معقول. وذلك ، لأن المحرم ، إنما صلح في جواب كم ، لأنه مشتمل على قولك : ثلاثون يوما. ولو لا ذلك لم يجز فيه أن يكون جواب (كم) ، لأنه موقت معلوم ابتداؤه وانتهاؤه ، بمنزلة يوم الجمعة. فلما أدخلت عليه الشهر ، وقلت : شهر المحرم ، اجتمع تعريفان : التعريف الذي كان له من التوقيت. وتعريف آخر حصل له بالإضافة. فتوجّه إلى (متى) بهذه الضميمة التي انضمت إليه بالإضافة. زعمه ابن عيسى (٢).
ومنه ما يصلح جوابا ل (متى) ويصلح جوابا ل (كم). وذلك ، نحو : الشتاء ، والصيف.
تقول : متى يسار عليه؟ فيقال : الشتاء ، أو الصيف ، لأنهما موقتان. ويجوز أن تقول في جواب : كم سير عليه؟ : الشتاء ، لأنه مشتمل على عدد. وكذلك : الصيف. وكذلك : أيام الصّرام (٣).
وتقول : اليوم يومك. فيومك : مبتدأ. واليوم : منصوب على الظرف. ولا يجوز أن يكون اليوم مستقرا ليومك ، لأنه محال في المعنى. ولكنه [٦٩ / أ] محمول على المعنى. وتقديره : اليوم فعلك ، واليوم شأنك ، وحديثك. فتوسعوا ، وأقاموا اليوم مقام الفعل. لأن المصدر ، كما يقوم مقام الزمان ، في نحو قولك : جئت مقدم الحاجّ ، وخفوق النجم (٤). وأتت الناقة على مضربها (٥). فقد يقوم هو ، أيضا ، مقام المصدر. فقوله تعالى : (فَإِذا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ (٨) فَذلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ) (٩) (٦).
قدّره أبو علي (٧) ، في أحد الوجوه فذلك اليوم يومئذ قال : ولا يكون اليوم وضح النهار ، وإنما
__________________
(١) الكتاب ١ : ٢١٧.
(٢) هو : أبو الحسن ، علي بن عيسى ، الرماني ، النحوي ، المعتزلي (ت ٣٨٤ ه). أخذ عن : الزجاج ، وابن دريد ، وطائفة ، وعنه : أبو القاسم ، التنوخي ، وهلال بن المحسن ، صنف في : التفسير ، واللغة ، والنحو ، والكلام ، وشرح (كتاب سيبويه) ، و (كتاب الجمل) ، وأصله من سامراء. ينظر : إنباه الرواة ٢٩٤ ، وسير إعلام النبلاء ١٦ : ٥٣٣ ـ ٥٣٥.
(٣) أيام جذاذ النخل ، أي : قطع الثمرة ، واجتناؤها. اللسان (صرم) ١٢ : ٣٣٦.
(٤) خفق النجم : انحط في المغرب ، أي : غاب. اللسان (خفق) ١٠ : ٨٠ ، ٨١.
(٥) أي : على زمن ضرابها ، وهو : الوقت الذي يضربها الفحل فيه. اللسان (ضرب) ١ : ٥٤٦.
(٦) ٧٤ : سورة المدثر ٨ ، ٩.
(٧) مجمع البيان ١٠ : ٣٨٤ ، وفيه ، قال أبو علي : (لا يجوز أن ينتصب (يومئذ) بقوله (عسير) ، لأن الصفة لا