وقولهم : ذهبت الشام. [وقول الشاعر] :
١٧٤ ـ ... |
|
.... كما عسل الطريق ، الثّعلب (١) |
كل هذا محمول على حذف الجار عنده. أي : بمناط الثريا ، وبمزجر الكلب ، وبمقعد رابئ الضّرباء من الضّرباء.
واعلم أن ظروف المكان ، منها ما هو متمكّن متصرّف ، يخبر عنه ، ويرفع بالابتداء. تقول : خلفك واسع. بالابتداء ، والخبر ، لأنه متمكن. وأبو عمر (٢) لا يجيزه. أعني رفع خلفك. وقول لبيد حجّة عليه. [قال] :
١٧٥ ـ فغدت كلا الفرجين ، تحسب أنّه |
|
مولى المخافة ، خلفها ، وأمامها (٣) |
فرفع قوله : خلفها ، وأمامها ، على أنه بدل من مولى المخافة ، فصح ما قلنا.
وتقول : داري خلف دارك فرسخين ، وفرسخان ؛ بالنصب والرفع. فالنصب على التمييز عندنا ، وعلى الحال : عند المبرد. والتمييز أشبه ؛ لأن الكلام مبهم. والرفع على تقدير : داري خلف دارك مسافة فرسخين أو بعد فرسخين. فحذف المضاف ، وأقام المضاف إليه مقامه. ولو قلت :
داري من خلف دارك فرسخين ، وفرسخان جاز ، فكان التقدير على الأول.
وأبو عمر يأبى النصب إذا أدخلت (من) ولا يجيز إلا الرفع. فيقول : داري من خلف دارك فرسخان. قال : لأن الكلام ليس بتام عند قولك : داري من خلف دارك ؛ وإنما يتم إذا قلت : فرسخان ؛ فهو خبر.
وأجمعوا على أنك لو قلت : أنت مني فرسخين ، لم يجز ألا النصب ولا يجوز : أنت مني فرسخان. فقولهم : داري من خلف دارك عنده (٤) ، بمنزلة : داري خلف دارك. ولا يفيد دخول (من) معنى لم يكن قبل دخوله ، فلم منع النصب ، والمعنى معنى واحد؟.
وأما : أنت مني فرسخين ؛ فقدّره سيبويه (٥) : أنت مني ما دمنا نسير فرسخين. وفسر هذا الكلام فارسهم (٦) ، وقال أنت مني معناه : أنت تلابسني ، وتخالطني ، كقوله تعالى : (إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ
__________________
(١) البيت من الكامل ، لساعدة بن جؤية ، الهذلي ، وتمامه :
لدن بهز الكف يعسل متنه |
|
فيه ... |
في : ديوان الهذليين ١ : ١٩٠ ، وفيه : لذ بهز ، والكتاب ١ : ٣٦ ، ٢١٤ ، والتحصيل ٦٦ ، والمغني ١ : ١١ ، ٢ : ٥٢٥ ، ٥٧٦ ، والخزانة ٣ : ٨٣ ، ٨٦.
(٢) وكذلك : الكوفيون ، ويجيزه المبرد على ضعف. ينظر : المقتضب ٤ : ٣٤١ ، والخزانة ١ : ٤١٤ ، ٤١٥.
(٣) البيت من الكامل ، للبيد ، في : ديوانه ١٧٣ ، والمعلقات السبع ٢٢٢ ، والكتاب ١ : ٤٠٧ ، والتحصيل ٢٣١ ، ومقاييس اللغة (أم) ١ : ٢٩ ، واللسان (أمم) ١٢ : ٢٦ ، و (كلا) ١٥ : ٢٢٨ ، و (ولي) ١٥ : ٤١٠.
وبلا نسبة في : المقتضب ٣ : ١٠٢ ، والإيضاح ١ : ٦٥٣ ، وشرح شذور الذهب ١٦١ ، وابن يعيش ٢ : ٤٤ ، ١٢٩.
(٤) أي : عند سيبويه. الكتاب ١ : ٤١٧.
(٥) الكتاب ١ : ٤١٧.
(٦) أي : أبو علي ، الفارسي.